معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱذۡكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (63)

قوله تعالى : { وإذ أخذنا ميثاقكم } . عهدكم يا معشر اليهود .

قوله تعالى : { ورفعنا فوقكم الطور } . وهو جبل بالسريانية في قول بعضهم ، وهو قول مجاهد ، وقيل : ما من لغة في الدنيا إلا في القرآن ، وقال الأكثرون : ليس في القرآن لغة غير لغة العرب لقوله تعالى : ( قرآناً عربياً ) وإنما هذا وأشباهه وفاق وقع بين اللغتين . وقال ابن عباس : أمر الله تعالى جبلاً من جبال فلسطين فانقلع من أصله حتى قام على رؤوسهم ، وذلك لأن الله تعالى أنزل التوراة على موسى عليه السلام فأمر موسى قومه أن يقبلوها ويعملوا بأحكامها ، فأبوا أن يقبلوها للآصار والأثقال التي هي فيها ، وكانت شريعة ثقيلة ، فأمر الله تعالى جبريل عليه السلام فقلع جبلاً على قدر عسكرهم ، وكان فرسخاً في فرسخ ، فرفعه فوق رؤوسهم مثل قامة الرجل كالظلة ، وقال لهم : إن لم تقبلوا التوراة أرسلت هذا الجبل عليكم ، وقال عطاء عن ابن عباس : رفع الله فوق رؤوسهم الطور ، وبعث ناراً من قبل وجوههم ، وأتاهم البحر المالح من خلفهم .

قوله تعالى : { خذوا } . أي قلنا لهم خذوا .

قوله تعالى : { ما آتيناكم } . أعطيناكم .

قوله تعالى : { بقوة } . بجد واجتهاد ومواظبة .

قوله تعالى : { واذكروا } . وادرسوا .

قوله تعالى : { ما فيه } . وقيل : احفظوه واعملوا .

قوله تعالى : { لعلكم تتقون } . لكي تنجوا من الهلاك في الدنيا والعذاب في العقبى ، فإن قبلتم وإلا رضختكم بهذا الجبل ، وأغرقتكم في هذا البحر ، وأحرقتكم بهذه النار ، فلما رأوا أن لا مهرب لهم عنها قبلوا وسجدوا ، وجعلوا يلاحظون الجبل وهم سجود ، فصار سنةً في اليهود ، لا يسجدون إلا على أنصاف وجوههم ، ويقولون : بهذا السجود رفع العذاب عنا .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱذۡكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (63)

ثم واصل القرآن حديثه مع بني إسرائيل ، فذكرهم بنعمة شمول الله إياهم برحمته وفضله رغم توليهم عن طاعته ونقضهم لميثاقه فقال تعالى :

{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ . . . }

قال ابن جرير : " وكان سبب أخذ الميثاق عليهم فيما ذكره ابن زيد ، ما حدثني به يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال ابن زيد : لما رجع موسى من عند ربه بالألواح قال لقومه بني إسرائيل : إن هذه الألواح فيها كتاب الله ، وأمره الذي أمركم به ونهيه الذي نهاكم عنه . فقالوا : وما يأخذ بقولك أنت ، لا والله حتى نرى الله جهرة ، حتى يطلع الله علينا فيقول : " هذا كتابي فخذه " فما له لا يكلمنا كما كلمك أنت يا موسى : قال فجاءت غضبة من الله ، فجاءتهم صاعقة فصعقتهم فماتوا جميعاً . قال : ثم أحياهم الله بعد موتهم فقال لهم موسى : خذوا كتاب الله . فقالوا : لا . قال : أي شيء أصابكم ؟ قالوا : متنا جميعاً ، ثم حيينا قال : خذوا كتاب الله . قالوا : لا . فبعث الله ملائكة فتنقت الجبل فوقهم ، فقيل لهم : أتعرفون هذا ؟ قالوا نعم ، هذا الطور ، قال : خذوا الكتاب وإلا طرحناه عليكم ، قال : فأخذوا بالميثاق . قال : ولو كانوا أخذوه أول مرة لأخذوه بغير ميثاق " .

ومعنى الآيتين الكريمتين : واذكروا - يا بني إسرائيل - لتعتبروا وتنتفعوا وقت أن أخذنا عليكم جميعاً العهد بأن تعبدوا الله وحده ، وتتبعوا ما جاءكم به رسله ، وتعملوا بما في التوراة ، واذكروا كذلك وقت أن رفعنا فوق أسلافكم الطور تهديداً لهم بالعقوبة إذا لم يطيعوا أوامر الله ، وليشهدوا آية من آيات الله الدالة على قدرته ، وقلنا لكم جميعاً . خذوا ما آتيناكم في كتابكم من تكاليف بجد وعزم واجتهاد ، واذكروا ما فيه وتدبروه وسيروا على هدية لتتقوا الهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة ، ولكن الذي حصل منكم جميعاً أنكم أعرضتم عن العمل بما أخذ عليكم ، فتركتم تعاليم كتابكم وآذيتم أنبياءكم ، ولوا أن الله - تعالى - رأف بكم ، ووفقكم للتوبة ، وعفا عن زلاتكم ، لكنتم من الهالكين في دنياكم وآخرتكم .

وقوله تعالى : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ } تذكير لبني إسرائيل بنعمة من أمثال النعم الواردة في الآيات السابقة ، لأن أخذ الميثاق عليهم ليعملوا بما في التوراة من الأمور العائد عليهم نفعها .

وقوله تعالى : { وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطور } أي : أعليناه ، وجعلناه فوق رءوسكم كالمظلة .

والطور : اسم للجبل الذي ناجى عليه موسى ربه - تعالى - كان بنو إسرائيل بأسفله فرفع فوق رءوسهم .

وقوله تعالى : { خُذُواْ مَآ ءاتيناكم بِقُوَّةٍ } مقول لقول محذوف ، دل عليه المعنى ، والتقدير : وقلنا لهم : خذوا ما آتيناكم بقوة ، أي : تمسكوا به ، واعملوا بما فيه يجد ونشاط ، وتقبلوه واجتنبوا نواهيه ، واعملوا ما جاء به بدون تردد .

والمراد " بما آتيناكم " التوراة التي أنزلها الله تعالى على موسى لتكون هدى ونوراً لهم . وقوله تعالى : { واذكروا مَا فِيهِ } أي احفظوه وتدبروه وتدارسوه ، وامتثلوا أوامره ، واجتنبوا نواهيه ، واعملوا بكل ما جاء فيه بلا تعطيل لشيء منه .

قال الإِمام القرطبي : " وهذا هو المقصود من الكتب ، العمل بمقتضاها لا تلاوتها باللسان - فحسب - ، فقد روى النسائي عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن من الشر الناس رجلا فاسقاً يقرأ القرآن ، لا يرعوى إلى شيء منه " .

و " لعل " في قوله تعالى : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } إما للتعليل ، فيكون المعنى : خذوا الكتاب بجد وعزم ، واعملوا بما فيه بصدق وطاعة ، لتتقوا الهلاك في عاجلتكم وآجلتكم ، وإما للترجى ، وهو منصرف إلى المخاطبين ، فيكون المعنى : خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه ولا تنسوه ، وأنتم ترجون أن تكونوا من طائفة المتقين

/خ64

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱذۡكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (63)

40

ثم يمضي السياق يستعرض مواقف بني إسرائيل في مواجهة يهود المدينة بمسمع من المسلمين . ( وإذ أخذنا ميثاقكم ، ورفعنا فوقكم الطور : خذوا ما آتيناكم بقوة ، واذكروا ما فيه لعلكم تتقون . ثم توليتم من بعد ذلك ، فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين ) . .

وتفصيل هذا الميثاق وارد في سور أخرى ، وبعضه ورد في هذه السورة فيما بعد . والمهم هنا هو استحضار المشهد ، والتناسق النفسي والتعبيري بين قوة رفع الصخرة فوق رؤوسهم وقوة أخذ العهد ، وأمرهم أن يأخذوا ما فيه بقوة . وأن يعزموا فيه عزيمة . فأمر العقيدة لا رخاوة فيه ولا تميع ، ولا يقبل أنصاف الحلول ولا الهزل ولا الرخاوة . . إنه عهد الله مع المؤمنين . . وهو جد وحق ، فلا سبيل فيه لغير الجد والحق . . وله تكاليف شاقة ، نعم ! ولكن هذه هي طبيعته . إنه أمر عظيم . أعظم من كل ما في هذا الوجود . فلا بد أن تقبل عليه النفس إقبال الجاد القاصد العارف بتكاليفه ، المتجمع الهم والعزيمة المصمم على هذه التكاليف . ولا بد أن يدرك صاحب هذا الأمر أنه إنما يودع حياة الدعة والرخاء والرخاوة ، كما قال رسول الله [ ص ] وقد نودي للتكليف : " مضى عهد النوم يا خديجة " . . وكما قال له ربه : إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا . . وكما قال لبني إسرائيل :

( خذوا ما آتيناكم بقوة ) . ( واذكروا ما فيه لعلكم تتقون ) . .

ولا بد مع أخذ العهد بقوة وجد واستجماع نفس وتصميم . . لا بد مع هذا من تذكر ما فيه ، واستشعار حقيقته ، والتكيف بهذه الحقيقة ، كي لا يكون الأمر كله مجرد حماسة وحمية وقوة . فعهد الله منهج حياة ، منهج يستقر في القلب تصورا وشعورا ، ويستقر في الحياة وضعا ونظاما ، ويستقر في السلوك أدبا وخلقا ، وينتهي إلى التقوى والحساسية برقابة الله وخشية المصير .

ولكن هيهات ! لقد أدركت إسرائيل نحيزتها ، وغلبت عليها جبلتها .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱذۡكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (63)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطّورَ خُذُواْ مَآ آتَيْنَاكُم بِقُوّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ }

قال أبو جعفر : الميثاق : المفعال من الوثيقة إما بيمين ، وإما بعهد أو غير ذلك من الوثائق .

ويعني بقوله : وَأذْ أخَذْنا ميثاقَكُمْ الميثاق الذي أخبر جل ثناؤه أنه أخذ منهم في قوله : وَإذْ أخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إسْرائيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إلاّ اللّهَ وَبالْوَالِدَيْنِ إحْسانا الاَيات الذي ذكر معها . وكان سبب أخذ الميثاق عليهم فيما ذكره ابن زيد ما :

حدثني به يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : لما رجع موسى من عند ربه بالألواح قال لقومه بني إسرائيل : إن هذه الألواح فيها كتاب الله ، وأمره الذي أمركم به ، ونهيه الذي نهاكم عنه ، فقالوا : ومن يأخذه بقولك أنت ؟ لا والله حتى نرى الله جهرة حتى يطلع الله علينا فيقول : هذا كتابي فخذوه فما له لا يكلمنا كما كلمك أنت يا موسى فيقول : هذا كتابي فخذوه ؟ قال : فجاءت غضبة من الله فجاءتهم صاعقة فصعقتهم ، فماتوا أجمعون . قال : ثم أحياهم الله بعد موتهم ، فقال لهم موسى : خذوا كتاب الله فقالوا : لا ، قال : أيّ شيء أصابكم ؟ قالوا : متنا ثم حيينا ، قال : خذوا كتاب الله قالوا : لا . فبعث ملائكته فنتقت الجبل فوقهم ، فقيل لهم : أتعرفون هذا ؟ قالوا : نعم ، هذا الطور ، قال : خذوا الكتاب وإلا طرحناه عليكم قال : فأخذوه بالميثاق . وقرأ قول الله : وَإذْ أخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إسْرَائِيلَ لا تَعْبُدونَ إلاّ اللّهَ وَبالوَالِدَيْنِ إحْسانا حتى بلغ : وَما اللّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ قال : ولو كانوا أخذوه أوّل مرّة لأخذوه بغير ميثاق .

القول في تأويل قوله تعالى : ورَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطّورَ .

قال أبو جعفر : وأما الطور فإنه الجبل في كلام العرب ، ومنه قول العجاج :

دَانَى جنَاحَيْهِ مِنَ الطّورِ فَمَرّ *** تَقَضّيَ البازِي إذا البازِي كَسَرْ

وقيل إنه اسم جبل بعينه . وذكر أنه الجبل الذي ناجى الله عليه موسى . وقيل : إنه من الجبال ما أنبت دون ما لم ينبت . ذكر من قال : هو الجبل كائنا ما كان .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : أمر موسى قومه أن يدخلوا الباب سجدا ويقولوا حطة وطؤطىء لهم الباب ليسجدوا ، فلم يسجدوا ودخلوا على أدبارهم ، وقالوا حنطة . فنتق فوقهم الجبل يقول : أخرج أصل الجبل من الأرض فرفعه فوقهم كالظلة ، والطور بالسريانية : الجبل ، تخويفا أو خوفا ، شك أبو عاصم فدخلوا سُجّدا على خوف وأعينهم إلى الجبل ، وهو الجبل الذي تجلى له ربه .

وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : رفع الجبل فوقهم كالسحابة ، فقيل لهم : لتؤمننّ أو ليقعنّ عليكم ، فآمنوا . والجبل بالسريانية : الطور .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : وإذْ أخَذْنا ميثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطّورَ قال : الطور : الجبل ، كانوا بأصله فرفع عليهم فوق رءوسهم ، فقال : لتأخذُنّ أمري أو لأرمينكم به .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطّورَ قال : الطور : الجبل اقتلعه الله فرفعه فوقهم ، فقال : خُذُوا ما آتَيْنَاكُمْ بِقُوّةٍ فأقرّوا بذلك .

وحدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر عن الربيع ، عن أبي العالية : ورفَعْنا فَوْقَكُمُ الطّور قال : رفع فوقهم الجبل يخوّفهم به .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبيّ ، عن النضر ، عن عكرمة ، قال : الطور : الجبل .

وحدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : لما قال الله لهم : ادْخُلُوا الباب سُجدا وقُولُوا حِطّة فأبوا أن يسجدوا أمر الله الجبل أن يقع عليهم ، فنظروا إليه وقد غشيهم ، فسقطوا سجدا على شقّ ، ونظروا بالشق الاَخر . فرحمهم الله ، فكشفه عنهم . فذلك قوله : وإذْ نَتَقْنَا الجَبَلَ فَوْقَهُمْ كأنّهُ ظُلّة وقوله : ورفَعْنا فَوْقَكُمُ الطّور .

وحدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : الجبل بالسريانية : الطور .

وقال آخرون : الطور : اسم للجبل الذي ناجى الله موسى عليه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس الطور : الجبل الذي أنزلت عليه التوراة ، يعني على موسى ، وكانت بنو إسرائيل أسفل منه .

قال ابن جريج : وقال لي عطاء : رفع الجبل على بني إسرائيل فقال : لتؤمننّ به أو ليقعن عليكم ، فذلك قوله : كأنّهُ ظُلّة .

وقال آخرون : الطور من الجبال : ما أنبت خاصة . ذكر من قال ذلك :

حدثت عن المنجاب ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : الطّورَ قال : الطور من الجبال : ما أنبت ، وما لم ينبت فليس بطور .

القول في تأويل قوله تعالى : خُذُوا ما آتَيْنَاكُمْ بقُوّةٍ .

قال أبو جعفر : اختلف أهل العربية في تأويل ذلك ، فقال بعض نحويي أهل البصرة : هو مما استغني بدلالة الظاهر المذكور عما ترك ذكره له ، وذلك أن معنى الكلام : ورفعنا فوقكم الطور وقلنا لكم خذوا ما آتيناكم بقوة ، وإلا قذفناه عليكم .

وقال بعض نحويي أهل الكوفة : أخذ الميثاق قول فلا حاجة بالكلام إلى إضمار قول فيه ، فيكون من كلامين غير أنه ينبغي لكل ما خالف القول من الكلام الذي هو بمعنى القول أن يكون معه ( أن ) كما قال الله جل ثناؤه : إنّا أرْسَلْنا نُوحا إلى قَوْمِهِ أنْ أنْذِرْ قَوْمَكَ قال : ويجوز أن تحذف ( أن ) .

والصواب في ذلك عندنا أن كل كلام نطق به مفهوم به معنى ما أريد ففيه الكفاية من غيره ، ويعني بقوله : خُذُوا ما آتَيْناكُمْ : ما أمرناكم به في التوراة ، وأصل الإيتاء : الإعطاء . ويعني بقوله : بِقُوّةٍ بجدّ في تأدية ما أمركم فيه وافترض عليكم . كما :

حدثت عن إبراهيم بن بشار ، قال : حدثنا ابن عيينة ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : خُذُوا ما آتَيْنَاكُمْ بِقُوّةٍ قال : تعملوا بما فيه .

وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

وحدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوّةٍ قال : بطاعة .

وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : خُذُوا ما آتَيْنَاكُمْ بِقُوّةٍ قال : القوّة : الجدّ ، وإلا قذفته عليكم . قال : فأقرّوا بذلك أنهم يأخذون ما أوتوا بقوّة .

وحدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : بِقُوةً : يعني بجدّ واجتهاد .

وحدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد وسألته عن قول الله : خُذُوا ما آتَيْنَاكُمْ بِقُوّةٍ قال : خذوا الكتاب الذي جاء به موسى بصدق وبحقّ .

فتأويل الآية إذا : خذوا ما افترضناه عليكم في كتابنا من الفرائض فاقبلوه واعملوا باجتهاد منكم في أدائه من غير تقصير ولا توان . وذلك هو معنى أخذهم إيّاه بقوّة بجدّ .

القول في تأويل قوله تعالى : وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ .

قال أبو جعفر : يعني : واذكروا ما فيما آتيناكم من كتابنا من وعد ووعيد شديد وترغيب وترهيب ، فاتلوه واعتبروا به وتَدبّرُوه إذا فعلتم ذلك كي تتقوا وتخافوا عقابي بإصراركم على ضلالكم فتنتهوا إلى طاعتي وتنزعوا عما أنتم عليه من معصيتي . كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثني ابن إسحاق ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة عن ابن عباس : لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ قال : تنزعون عما أنتم عليه .

والذي آتاهم الله هو التوراة . كما :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : وَاذْكُرُوا ما فِيهِ يقول : اذكروا ما في التوراة .

كما حدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : اذْكُرُوا ما فِيهِ يقول : أمروا بما في التوراة .

وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سألت ابن زيد عن قول الله : وَذْكُرُوا ما فِيهِ قال : اعملوا بما فيه طاعةٍ لله وصدق ، قال : وقال اذكروا ما فيه لا تنسوه ولا تُغفلوه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱذۡكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (63)

{ وإذ أخذنا ميثاقكم } باتباع موسى والعمل بالتوراة . { ورفعنا فوقكم الطور } حتى أعطيتم الميثاق ، روي أن موسى عليه الصلاة والسلام لما جاءهم بالتوراة فرأوا ما فيها من التكاليف الشاقة كبرت عليهم وأبوا قبولها ، فأمر جبريل عليه السلام فقلع الطور فظلله فوقهم حتى قبلوا . { خذوا } على إرادة القول : { ما آتيناكم } من الكتاب { بقوة } بجد وعزيمة . { واذكروا ما فيه } ادرسوه ولا تنسوه ، أو تفكروا فيه فإنه ذكر بالقلب ، أو اعملوا به . { لعلكم تتقون } لكي تتقوا المعاصي ، أو رجاء منكم أن تكونوا متقين . ويجوز عند المعتزلة أن يتعلق بالقول المحذوف ، أي : قلنا خذوا واذكروا إرادة أن تتقوا .