معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ} (59)

قوله تعالى : { فبدل } . فغير .

قوله تعالى : الذين ظلموا } . أنفسهم وقالوا

قوله تعالى : { قولاً غير الذي قيل لهم } . وذلك أنهم بدلوا قول الحطة بالحنطة ، فقالوا بلسانهم : حطانا سمقاثاً أي حنطة حمراء ، استخفافاً بأمر الله تعالى ، وقال مجاهد : طوطئ لهم الباب ليخفضوا رؤوسهم فأبوا أن يدخلوها سجداً فدخلوا على يزحفون على أستاههم في الفعل كما بدلوا القول وقالوا قولاً غير الذي قيل لهم .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا اسحاق بن نصر ، أنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة فبدلوا فدخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا حبة في شعرة " .

قوله تعالى : { فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء } . قيل : أرسل الله عليهم طاعوناً فهلك منهم في ساعة واحدة سبعون ألفاً .

قوله تعالى : { بما كانوا يفسقون } . يعصون ويخرجون من أمر الله تعالى .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ} (59)

ولكن ، ماذا كان من بني إسرائيل بعد أن أتم الله لهم نعمة الفتح ؟

إنهم لم يفعلوا ما أمروا بفعله ، ولم يقولوا ما كلفوا بقوله ، بل خالفوا ما أمروا به من قول وفعل ، ولذا قال تعالى : { فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ } .

أخرج البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " قيل لبني إسرائيل : ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة فبدلوا ودخلوا يزحفون على أستاهم ، وقالوا : حبة في شعيرة " .

قال الإِمام ابن كثير : ( وحاصل ما ذكره المفسرون وما دل عليه السياق ، أنهم بدلوا أمر الله لهم من الخضوع بالقول والفعل ، فأمروا أن يدخلوا الباب سجداً ، فدخلوا يزحفون على أستاهم رافعين رؤسهم ، وأمروا أن يقولوا : حطة ، أي احطط عنا ذنوبنا وخطايانا فاستهزءوا وقالوا : حنطة في شعيرة ، وهذا في غاية ما يكون من المخالفة والمعاندة ، ولهذا أنزل الله بهم بأسه وعذابه بفسقهم وخروجهم عن طاعته ) .

فقوله تعالى : { فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ } بيان للسبب الذي من أجله نزل عليهم العذاب ، وتوبيخ لهم على مخالفتهم أوامر الله - تعالى - ، لأن تبديل الشيء معناه تغييره وإزالته عما كان عليه بإعطائه صورة تخالف التي كان عليها .

والفعل ( بدل ) يقتضي بدلا ومبدلا منه ، إلا أن مقام الإِيجاز في الآية استدعى الاكتفاء بذكر البدل - وهو القول الذي لم يقل لهم - دون ذكر المبدل منه - وهو القول الذي قيل لهم - والتقدير : فاختار الذين ظلموا بالقول الذي أمرهم الله به ، قولا آخر اخترعوه من عند أنفسهم على وجه المخالفة والعصيان .

قال صاحب الكشاف : { فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ } أي : وضعوا مكان { حِطَّةٌ } قولا غيرها ، يعني أنهم أمروا بقول معناه التوبة والاستغفار فخالفوه إلى قول ليس معناه معنى ما أمروا به ، ولم يمتثلوا أمر الله ، وليس الغرض أنهم أمروا بلفظ بعينه . وهو لفظ الحطة فجاءوا بلفظ آخر ، لأنهم لو جاءوا بلفظ آخر مستقل ، بمعنى ما أمروا به لم يؤاخذوا به كما لو قالوا مكان حطة : نستغفرك ونتوب إليك . أو اللهم أعف عنا وما أشبه ذلك " .

والعبرة التي تؤخذ من هذه الجملة الكريمة ، أن من أمره الله - تعالى - بقول أو بفعل ، فتركه وأتى بآخر لم يأذن به الله ، دخل في زمرة الظالمين ، وعرض نفسه لسوء المصير .

وقوله تعالى : { فَأَنزَلْنَا عَلَى الذين ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السمآء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } تصريح بأن ما أصابهم من عذاب كان نتيجة عصيانهم وتمردهم وجحودهم لنعم الله - تعالى - والرجز في لغة العرب : هو العذاب سواء أكان بالأمراض المختلفة أو بغيرها .

وفي النص على أن الرجز قد أتاهم من جهة السماء إشعار بأنه عذاب لم يمكن دفعه وأنه لم يكن له سبب أرضي من عدوى أو نحوها ، بل رمتهم به الملائكة من جهة السماء . فأصيب به الذين ظلموا دون غيرهم ، ولم يقل القرآن { فَأَنزَلْنَا عَلَى } بالإِضمار ، وإنما قال { فَأَنزَلْنَا عَلَى الذين ظَلَمُواْ } بالإِظهار ، تأكيداً لوصفهم بأقبح النعوت وهو الظلم ، وإشعاراً بأن ما نزل عليهم كان سبيه بغيهم وظلمهم .

/خ59

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ} (59)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ فَبَدّلَ الّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مّنَ السّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ }

وتأويل قوله : فَبَدّلَ فغير . ويعني بقوله : الّذِينَ ظَلَمُوا الذين فعلوا ما لم يكن لهم فعله . ويعني بقوله : قَوْلاً غَيْرَ الّذِي قِيلَ لَهُمْ بدلوا قولاً غير الذي أمروا أن يقولوه فقالوا خلافه ، وذلك هو التبديل والتغيير الذي كان منهم . وكان تبديلهم بالقول الذي أمروا أن يقولوه قولاً غيره ، ما :

حدثنا به الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قال اللّهُ لِبَنِي إسْرَائِيلَ : ادْخُلُوا البابَ سُجّدا وَقُولُوا حِطّةٌ نَغْفِرُ لَكُمْ خَطاياكُمْ ، فَبدلُوا وَدَخَلُوا البابَ يَزْحَفُونَ على أسْتاهِهِمْ وقالُوا : حَبّةٌ في شَعِيرَةٍ » .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة وعليّ بن مجاهد ، قالا : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن صالح بن كيسان ، عن صالح مولى التوأمة ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم . قال :

حدثت عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن سعيد بن جبير ، أو عن عكرمة ، عن ابن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «دَخَلُوا البابَ الّذِي أُمِرُوا أنْ يَدْخُلُوا مِنْهُ سُجّدا يَزْحُفُونَ على أسْتاهِهِمْ يَقُولُونَ حِنْطَةٌ فِي شَعِيرةٍ » .

وحدثني محمد بن عبد الله المحاربي ، قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : حِطّةٌ قال : «بدّلوا فقالوا : حبة » .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن السدي ، عن أبي سعيد عن أبي الكنود ، عن عبد الله : ادْخُلُوا البابَ سُجّدا وَقُولُوا حِطّة قالوا : حنطة حمراء فيها شعيرة ، فأنزل الله : فَبَدّلَ الّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيرَ الّذِي قِيلَ لَهُمْ .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : ادْخُلُوا البابَ سُجّدا قال : ركوعا من باب صغير . فجعلوا يدخلون من قِبَلِ أستاههم . ويقولون حنطة فذلك قوله : فَبَدّلَ الّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيرَ الّذِي قِيلَ لَهُمْ .

حدثنا الحسن بن الزبرقان النخعي ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد ، عن ابن عباس ، قال : أمروا أن يدخلوا ركعا ، ويقولوا حطة قال : أمروا أن يستغفروا قال : فجعلوا يدخلون من قبل أستاههم من باب صغير ويقولون حنطة يستهزئون ، فذلك قوله : فَبَدّلَ الّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غيرَ الّذِي قِيلَ لَهُمْ .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أنبأنا عبد الرزاق ، قال : أنبأنا معمر ، عن قتادة والحسن : ادْخُلُوا البابَ سُجدا قالا : دخلوها على غير الجهة التي أمروا بها ، فدخلوها متزحفين على أوراكهم ، وبدلوا قولاً غير الذي قيل لهم ، فقالوا : حبة في شعيرة .

حدثني محمد بن عمرو الباهلي ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : أمر موسى قومه أن يدخلوا الباب سجدا ويقولوا حطة ، وطُؤْطِىءَ لهم الباب ليسجدوا فلم يسجدوا ودخلوا على أدبارهم وقالوا حنطة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : أمر موسى قومه أن يدخلوا المسجد ويقولوا حطة ، وطؤطىء لهم الباب ليخفضوا رءوسهم ، فلم يسجدوا ودخلوا على أستاههم إلى الجبل ، وهو الجبل الذي تجلى له ربه وقالوا : حنطة . فذلك التبديل الذي قال الله عز وجل : فَبَدّلَ الّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غيرَ الّذِي قِيلَ لَهُمْ .

حدثني موسى بن هارون الهمداني عن ابن مسعود أنه قال : إنهم قالوا : «هطى سمقا يا ازبة هزبا » ، وهو بالعربية : حبة حنطة حمراء مثقوبة فيها شعيرة سوداء . فذلك قوله : فَبَدّلَ الّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غيرَ الّذِي قِيلَ لَهُمْ .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : وَادْخُلُوا الباب سُجّدا قال : فدخلوا على أستاههم مُقْنِعي رءوسهم .

حدثنا سفيان بن وكيع ، قال : حدثنا أبي النضر بن عديّ ، عن عكرمة : وَادْخُلُوا البابَ سُجّدا فدخلوا مقنعى رءوسهم ، وَقُولُوا حِطّة فقالوا : حنطة حمراء فيها شعيرة ، فذلك قوله : فَبَدّلَ الّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيرَ الّذِي قِيلَ لَهُمْ .

حدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس : وادْخُلُوا البابَ سُجّدا وَقُولُوا حِطّةٌ قال : فكان سجود أحدهم على خده ، وقُولُوا حِطّة نحطّ عنكم خطاياكم ، فقالوا : حنطة ، وقال بعضهم : حبة في شعيرة . فَبَدّلَ الّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غيرَ الّذِي قِيلَ لَهُمْ .

وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : وَادْخُلُوا البابَ سُجّدا وَقُولُوا حِطّةٌ يحط الله بها عنكم ذنبكم وخطيئاتكم . قال : فاستهزءوا به يعني بموسى وقالوا : ما يشاء موسى أن يلعب بنا إلا لعب بنا حطة حطة أيّ شيء حطة ؟ وقال بعضهم لبعض : حنطة .

حدثنا القاسم بن الحسن ، قال : حدثني الحسين ، قال : حدثني حجاج عن ابن جريج ، وقال ابن عباس : لما دخلوا قالوا : حبة في شعيرة .

حدثني محمد بن سعيد ، قال : حدثني أبي سعيد بن محمد بن الحسن ، قال : أخبرني عمي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : لما دخلوا الباب قالوا حبة في شعيرة ، فبدلوا قولاً غير الذي قيل لهم .

القول في تأويل قوله تعالى : فأنْزلْنا عَلى الّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزا مِنَ السمّاءِ .

يعني بقوله : فأنْزَلْنا على الّذِينَ ظَلَمُوا على الذين فعلوا ما لم يكن لهم فعله من تبديلهم القول الذي أمرهم الله جل وعزّ أن يقولوه قولاً غيره ، ومعصيتهم إياه فيما أمرهم به وبركوبهم ما قد نهاهم عن ركوبه رِجْزا مِنَ السمّاءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ . والرّجز في لغة العرب : العذاب ، وهو غير الرّجْز ، وذلك أن الرّجز : البَثْر ، ومنه الخبر الذي رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الطاعون أنه قال : «إنّهُ رِجْزٌ عُذّبَ بِهِ بَعْضُ الأمم الّذِينَ قَبْلَكُمْ » .

حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أسامة بن زيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إِنّ هَذا الوَجَعَ أوِ السّقْمَ رِجْزٌ عُذّبَ بِهِ بَعْضُ الأمم قَبْلَكُمْ » .

وحدثني أبو شيبة بن أبي بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا عمر بن حفص ، قال : حدثنا أبي عن الشيباني عن رباح بن عبيدة ، عند عامر بن سعد ، قال : شهدت أسامة بن زيد عند سعد بن مالك يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إِنّ الطّاعُونَ رِجْز أُنْزِلَ على مَنْ كانَ قَبْلَكُمْ أوْ على بَنِي إسْرائيلَ » .

وبمثل الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل : ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أنبأنا عبد الرزاق ، قال : أنبأنا معمر ، عن قتادة في قوله : رِجْزا قال : عذابا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم العسقلاني ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : فأنْزلْنا على الّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزا مِنَ السمّاءِ قال : الرجز : الغضب .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : لما قيل لبني إسرائيل : ادْخُلُوا البابَ سُجّدا وَقُولُوا حِطّةٌ فَبَدّلَ الّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيرَ الّذِي قِيلَ لَهُمْ بعث الله جل وعز عليهم الطاعون ، فلم يبق منهم أحدا . وقرأ : فأنْزَلْنَا على الّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزا مِنَ السمّاءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ . قال : وبقي الأبناء ، ففيهم الفضل والعبادة التي توصف في بني إسرائيل والخير ، وهلك الاَباء كلهم ، أهلكهم الطاعون .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : الرجز : العذاب ، وكل شيء في القرآن رجز فهو عذاب .

حدثت عن المنجاب ، قال : حدثنا بشر ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : رِجْزا قال : كل شيء في كتاب الله من الرجز ، يعني به العذاب .

وقد دللنا على أن تأويل الرجز : العذاب . وعذابُ الله جل ثناؤه أصناف مختلفة . وقد أخبر الله جل ثناؤه أنه أنزل على الذين وصفنا أمرهم الرجز من السماء ، وجائز أن يكون ذلك طاعونا ، وجائز أن يكون غيره ، ولا دلالة في ظاهر القرآن ولا في أثر عن الرسول ثابت أيّ أصناف ذلك كان .

فالصواب من القول في ذلك أن يقال كما قال الله عزّ وجل : فأنْزَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزا مِنَ السّماءِ بفسقهم . غير أنه يغلب على النفس صحة ما قاله ابن زيد للخبر الذي ذكرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إخباره عن الطاعون أنه رجز ، وأنه عذّب به قوم قبلنا . وإن كنت لا أقول إن ذلك كذلك يقينا لأن الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بيان فيه أيّ أمة عذّبت بذلك . وقد يجوز أن يكون الذين عذّبوا به كانوا غير الذين وصف الله صفتهم في قوله : فَبَدّلَ الّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيرَ الذي قِيلَ لَهُمْ .

القول في تأويل قوله تعالى : بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ .

فَبَدّلَ الّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مّنَ السّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ . وقد دللنا فيما مضى من كتابنا هذا على أن معنى الفسق : الخروج من الشيء . فتأويل قوله : بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ إذا بما كانوا يتركون طاعة الله عزّ وجلّ ، فيخرجون عنها إلى معصيته وخلاف أمره .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ} (59)

{ فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم } بدلوا بما أمروا به من التوبة والاستغفار بطلب ما يشتهون من أعراض الدنيا .

{ فأنزلنا على الذين ظلموا } كرره مبالغة في تقبيح أمرهم وإشعارا بأن الإنزال عليهم لظلمهم بوضع غير المأمور به موضعه ، أو على أنفسهم بأن تركوا ما يوجب نجاتها إلى ما يوجب هلاكها .

{ رجزا من السماء بما كانوا يفسقون } عذابا مقدرا من السماء بسبب فسقهم ، والرجز في الأصل : ما يعاف عنه ، وكذلك الرجس . وقرئ بالضم وهو لغة فيه والمراد به الطاعون . روي أنه مات في ساعة أربعة وعشرون ألفا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ} (59)

قوله عز وجل( {[652]} ) :

فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ( 59 )

روي أنه لما جاؤوا الباب دخلوا من قبل أدبارهم القهقرى ، وفي الحديث( {[653]} ) أنهم دخلوا يزحفون على أستاههم ، وبدلوا فقالوا حبة في شعرة ، وقيل قالوا حنطة حبة حمراء فيها شعرة وقيل شعيرة .

وحكى الطبري أنهم قالوا حطي شمقاثا أزبة( {[654]} ) ، وتفسيره ما تقدم .

والرجز العذاب ، وقال ابن زيد ومقاتل وغيرهما : «إن الله تعالى بعث على الذين بدلوا ودخلوا على غير ما أمروا الطاعون فأذهب منهم سبعين ألفاً » ، وقال ابن عباس : «أمات الله منهم في ساعة واحدة نيفاً على عشرين ألفاً » .

وقرأ ابن محيصن «رُجزاً » بضم الراء ، وهي لغة في العذاب ، والرجر أيضاً اسم صنم مشهور .

والباء في قوله { بما } متعلقة ب { أنزلنا } ، وهي باء السبب .

و { يفسقون } معناه يخرجون عن طاعة الله ، وقرأ النخعي وابن وثاب «يفسِقون » بكسر السين ، يقال فسق يفسُق ويفسِق بضم السين وكسرها .


[652]:- استدل العلماء بهذه الآية الكريمة على أن تبديل الأقوال المنصوص عليها في الشريعة لا يخلو أن يقع التعبد بلفظها أو بمعناها، فإن كان التعبد وقع بلفظها فلا يجوز تبديلها لذم الله تعالى من يدل ما أمره به، وإن وقع بمعناها جاز تبديلها بما يؤدي إلى ذلك المعنى، ولا يجوز تبديلها بما يخرج عنه. وربما يدخل فيها مسألة نقل الحديث بالمعنى، والمراد أن الظالمين بدلوا قولا غير الذي قيل لهم- قولوا حطة فقالوا حنطة، وقيل لهم: ادخلوا الباب سجدا فدخلوا على أستاههم، فلقوا من البلاء ما لقوا.
[653]:- روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة يغفر لكم خطاياكم فبدلوا فدخلوا الباب يزحفون على أستاههم، وقالوا حبة في شعرة"، وأخرج البخاري وقال: "فبدلوا وقالوا حطة حبة في شعرة". وفي غير الصحيحين: "حنطة في شعر".
[654]:- هي كلمة عبرانية، وتفسيرها ما تقدم أي "حنطة حمراء".