معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي  
{۞فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِۖ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّا} (59)

قوله تعالى : { فخلف من بعدهم خلف } أي : من بعد النبيين المذكورين خلف ، وهم قوم سوء ، والخلف - بالفتح - الصالح - ، وبالجزم الطالح . قال السدي : أراد بهم اليهود ومن لحق بهم . وقال مجاهد و قتادة : هم في هذه الأمة . { أضاعوا الصلاة } ، تركوا الصلاة المفروضة . وقال ابن مسعود و إبراهيم : أخروها عن وقتها . وقال سعيد بن المسيب : هو أن لا يصلي الظهر حتى يأتي العصر ، ولا العصر حتى تغرب الشمس . { واتبعوا الشهوات } ، أي : المعاصي ، وشرب الخمر ، يعني آثروا شهوات أنفسهم على طاعة الله . وقال مجاهد : هؤلاء قوم يظهرون في آخر الزمان ينزو بعضهم على بعض في الأسواق والأزقة . { فسوف يلقون غياً } ، قال وهب : الغي نهر في جهنم ، بعيد قعره ، خبيث طعمه . وقال ابن عباس : الغي واد في جهنم ، وإن أودية جهنم لتستعيذ من حره ، أعد للزاني المصر عليه ، ولشارب الخمر المدمن عليه ، ولآكل الربا الذي لا ينزع عنه ، ولأهل العقوق ، ولشاهد الزور . ولامرأة أدخلت على زوجها ولدا . وقال عطاء : الغي : واد في جهنم يسيل قيحاً ودماً . وقال كعب : هو واد في جهنم أبعدها قعراً ، وأشدها حراً ، في بئر تسمى الهيم كلما خبت جهنم فتح الله تلك البئر فيسعر بها جهنم .

أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أنا محمد بن أحمد الحارثي ، أنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أنا عبد الله بن محمود ، أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، وأنا عبد الله بن المبارك عز وجل هشيم بن بشير ، أنا زكريا بن أبي مريم الخزاعي ، قال : سمعت أبا أمامة الباهلي يقول : إن ما بين شفير جهنم إلى قعرها مسيرة سبعين خريفاً من حجر يهوي ، أو قال صخرة تهوي عظمها كعشر عشروات عظام سمان ، فقال له مولى لعبد الرحمن بن خالد بن الوليد : هل تحت ذلك شيء يا أبا أمامة ؟ قال : نعم غي وآثام . وقال الضحاك : غياً وخسراناً . وقيل : هلاكاً . وقيل : عذاباً . وقوله : { فسوف يلقون غياً } ليس معناه يرون فقط ، بل معناه الاجتماع والملابسة مع الرؤية { إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا } .