الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{۞فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِۖ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّا} (59)

{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ } يعيني من بعد النبيّين المذكورين { خَلْفٌ } وهم قوم سوء ، والخَلفَ بالفتح الصالح ، والخلف بالحزم الطالح ، والخلف بسكون اللام الرديء من كلّ شيء ، وهم في هذه الآية اليهود ومن لحق بهم . وقال مجاهد وقتادة : في هذه الأُمّة .

{ أَضَاعُواْ الصَّلاَةَ } أي تركوا الصلوات المفروضة ، قال ابن مسعود وإبراهيم والقاسم بن مخيمرة : أخّروها عن مواقيتها وصلّوها بغير وقتها .

وقال قرّة بن خالد : استبطأ الضحاك مرّة امتراءً في صلاة العصر حتى كادت الشمس تغرب فقرأ هذه الآية { أَضَاعُواْ الصَّلاَةَ } ثمَّ قال : والله لئن أدعها أحبّ إلىّ من أن اضيّعها ، وقرأ الحسن : اضاعوا الصلوات { وَاتَّبَعُواْ الشَّهَوَاتِ } قال مقاتل : استحلّو نكاح الأخت من الأب ، وقال الكلبي : يعني اللذات وشرب الخمر وغيره ، قال مجاهد : هذا عند اقتراب الساعة وذهاب صالحي أُمّة محمد صلى الله عليه وسلم ينزو بعضهم على بعض في السكك والأزقّة زناة .

وروى أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية قال : يكون خلف من بعد ستّين سنة { أَضَاعُواْ الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُواْ الشَّهَوَاتِ } الآية .

وقال علىّ بن أبي طالب : " هذا إذا بني المشيد ورُكب المنظور ولبس المشهور " ، وقال وهب : فخلف من بعدهم خلف شرّابون للقهوات ، لعّابون بالكعبات ، ركّابون للشهوات ، متبعون للذّات ، تاركون للجُمعات ، مضيّعون للصلوات ، وقال كعب : يظهر في آخر الزمان أقوام بأيديهم سياط كأذناب البقر يضربون الناس ، ثمَّ قرأ { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُواْ الشَّهَوَاتِ } .

{ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً } قال عبد الله بن مسعود : الغيّ نار في جهنّم ، وقال ابن عباس : الغىّ واد في جهنم وإنّ أودية جهنم لتستعيذ من حرّها ، أُعدّ ذلك الوادي للزاني المصرّ عليه ، ولشارب الخمر المدمن عليها ، ولآكل الربا الذي لا ينزع عنه ، ولأهل العقوق ، ولشاهد الزور ، ولامرأة أدخلت على زوجها ولداً . وقال عطاء : الغىّ واد في جهنم يسيل قيحاً ودماً . وقال وهب : الغىّ نهر في النار بعيد قعره ، خبيث طعمه ، وقال كعب : هو واد في جهنم أبعدها قعراً وأشدّها حرّاً ، فيه بئر تسمى البهيم كلّما خبت جهنّم فتح الله تلك البئر فسعّربها جهنم ، وقال الضحاك : خسراناً وقيل : عذاباً ، وقيل : ألماً ، وقيل : كفراً .