الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{۞فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِۖ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّا} (59)

قوله تعالى : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة }[ 59 ] .

إلى قوله { وعده ماتيا }[ 61 ] .

المعنى : فخلف من بعد من ذكرنا من الأنبياء ، خلف سوء خلفوهم في الأرض .

يقال في الردئ ( خَلْف ) بإسكان اللام ، وفي الصلاح ( خَلَفْ ) بتحريك اللام{[44433]} . وعن أبي إسحاق{[44434]} ضد هذا{[44435]} والأول أشهر .

ثم قال : { أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات } أي أخروا الصلاة عن مواقيتها ، ولم يتركوها ، ولو تركوها لكان كفرا .

قاله عمر بن عبد العزيز : {[44436]} وهو معنى قول ابن مسعود . وكذلك قال ابن مسعود : في قوله تعالى ذكره : { الذين هم عن صلاتهم ساهون }{[44437]} إنه تأخيرها عن وقتها{[44438]} .

قال مسروق{[44439]} : لا يحافظ على الصلوات الخمس{[44440]} أحد فيكتب من الغافلين .

وروى الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال{[44441]} : " الخلف من بعد ستين سنة " {[44442]} .

قال أبو محمد مكي{[44443]} رضي الله عنه : وقد ذكر الجعفي{[44444]} في تفسيره عن محمد بن كعب القرظي أنه قال : هم ناس يظهرون في آخر الزمان من قبل المغرب ، وهم شر من يملك ، وذكر اسمهم{[44445]} .

وعن مجاهد ، أن الخلف هنا النصارى بعد اليهود{[44446]} . رواه ابن وهب ، وهو ظاهر الآية لأن بعده ( إلا من تاب وآمن ) فذكره لشرط الإيمان مع التوبة يدل على أنهم لم يكونوا مؤمنين .

وقوله : { واتبعوا الشهوات } قيل : معناه : اتبعوا شهواتهم فيما حرم الله عليهم .

وقال القرظي : أضاعتهم لها ، تركها{[44447]} وهذا القول اختيار الطبري{[44448]} لقوله بعد ذلك : { إلا من تاب وآمن وعمل صالحا } فلو كان المضيعون{[44449]} مؤمنين لم يقل : ( إلا من تاب وآمن ) ولكنهم كانوا كفارا بتركهم للصلاة{[44450]} والزكاة .

وقال مجاهد : هؤلاء قوم{[44451]} يكونون عند قيام الساعة ، وذهاب صالحي{[44452]} أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ينزو بعضهم على بعض في الأزقة زنا{[44453]} .

وقال عطاء : هم من أمة محمد عليه السلام{[44454]} .

ثم قال تعالى : { فسوف يلقون غيا }[ 59 ] .

يعني : واديا في جهنم قاله ابن عمر{[44455]} . وعنه أنه قال : هو نهر في جهنم ، خبيث الطعم بعيد القعر{[44456]} .

وقال ابن عباس : غيا : خسرانا{[44457]} .

وقال ابن زيد : ( غيا ) شرا{[44458]} .

والتقدير : فسوف يلقون جزاء الغي ، كما قال يلق آثاما أي : جزاء الآثام .

وقيل{[44459]} : سمي الوادي غيا لأن الغاوين يصيرون إليه .

وقيل{[44460]} : المعنى{[44461]} : ( فسوف يلقون غيا ) . أي : خيبة من الجنة ، والثواب الذي يناله المؤمنون ، وعذابا في النار{[44462]} .

و( الغي ) في اللغة الخيبة{[44463]} .


[44433]:انظر: معاني الفراء 2/170.
[44434]:ز: ابن إسحاق (تحريف).
[44435]:الظاهر أن أبا إسحاق الزجاج، ذهب إلى عكس ما نسبه إليه مكي، إذ أنه اختار أن يكون إسكان اللام في الرداءة وفتحه في الصلاح. انظر: معاني القرآن للزجاج 3/335.
[44436]:انظر: جامع البيان 16/98 وزاد المسير 5/245 والدر المنثور 4/277.
[44437]:الماعون: آية 5.
[44438]:انظر: جامع البيان 16/98 وزاد المسير 5/245 والدر المنثور 4/277.
[44439]:انظر: جامع البيان 16/99 وتفسير ابن كثير 3/127.
[44440]:الخمس سقطت من ز.
[44441]:قال سقطت من ز.
[44442]:انظر: مسند أحمد 3/38، وتفسير ابن كثير 3/128 وقال عنه ابن كثير: (هذا حديث غريب).
[44443]:مكي سقطت من ز.
[44444]:ز: النخعي تحريف والجعفي، هو أبو جعفر عبد الله بن محمد بن جعفر بن يمان الجعفي المسندي، وإنما قيل له المسندي لأنه كان يطلب المسانيد في صغره. انظر: اللباب 1/284.
[44445]:ز: أسمائهم، وانظر: القول في تفسير ابن كثير 3/128. وتفسير القرطبي 11/122 بلفظ مختلف.
[44446]:انظر: تفسير القرطبي 11/122.
[44447]:انظر: جامع البيان 16/99 وزاد المسير 5/245 وابن كثير 3/127 والدر المنثور 4/277.
[44448]:انظر: جامع البيان 16/99.
[44449]:ز: المتتبعون (تحريف).
[44450]:ز: ولكنهم كفار بتركهم الصلاة والزكاة.
[44451]:قوم سقطت من ز.
[44452]:ز: صلاح (تحريف).
[44453]:ز: نزوا، وانظر: القول في جامع البيان 16/99 وزاد المسير 5/245 وتفسير القرطبي 11/121 وتفسير ابن كثير 3/128.
[44454]:انظر: جامع البيان 16/99 وتفسير ابن كثير 3/128.
[44455]:هو عبد الله بن عمر بن الخطاب أبو عبد الرحمن العدوي الفقيه المدني (ت 74 هـ) انظر: ترجمته في: الاستيعاب 3/950 وتذكرة الحفاظ 1/37 والإصابة 4/107.
[44456]:انظر: جامع البيان 16/100.
[44457]:انظر: جامع البيان 16/100-101 وزاد المسير 5/246.
[44458]:انظر: جامع البيان 16/100-101 وزاد المسير 5/246.
[44459]:وهو قول الزجاج في معاني القرآن 3/336 والقرطبي 11/125.
[44460]:انظر: زاد المسير 5/246.
[44461]:ز: معناه.
[44462]:ز: وعذاب النار.
[44463]:انظر: إعراب القرآن للنحاس 2/320.