فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِۖ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّا} (59)

{ فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ( 59 ) إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا ( 60 ) جنات عدن التي وعد الرحمان عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا ( 61 ) لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ( 62 ) تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا ( 63 ) وما نتنزل إلا بأمر ربك له مابين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا ( 64 ) } .

{ فخلف } أي وجد وحدث { من بعدهم } أي من بعد النبيين المذكورين { خلف } أي عقب سوء . قال أهل اللغة : يقال لعقب الخير والصدق خلف بفتح اللام ، ولعقب الشر والسوء خلف بسكون اللام ، وقد قدمنا الكلام على هذا في آخر الأعراف .

{ أضاعوا الصلاة } أي أخروها عن وقتها ، قاله الأكثر ، وهو أن لا يصلي الظهر حتى يأتي العصر ولا العصر حتى يأتي المغرب ، وقيل أضاعوا الوقت ، وقيل كفروا بها وجحدوا وجوبها ، وقيل لم يأتوا بها على الوجه المشروع . وقيل تركوها كاليهود والنصارى ، والظاهر أن من أخر الصلاة عن وقتها أو ترك فرضا من فروضها أو شرطا من شروطها أو ركنا من أركانها فقد أضاعها ، ويدخل تحت الإضاعة من تركها بالمرة أو جحدها دخولا أوليا .

واختلفوا فيمن نزلت هذه الآية ، فقيل في اليهود وقيل في النصارى وقيل في قوم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يأتون في آخر الزمان . وقال بالأولين السدي . وقال بالثالث مجاهد ، ولفظه هم من هذه الأمة يتراكبون في الطرق كما تراكب الأنعام لا يستحيون من الناس ولا يخافون من الله في السماء ، وعن ابن مسعود قال : ليس إضاعتها تركها ، قد يضيع الإنسان الشيء ولا يتركه . ولكن إضاعتها إذا لم يصلها لوقتها .

{ واتبعوا الشهوات } أي فعلوا ما تشتهيه أنفسهم وترغب إليه من المحرمات كشرب الخمر والزنا { فسوف يلقون غيا } هو الشر عند أهل اللغة كما أن الخير هو الرشاد . والمعنى أنهم سيلقون شرا لا خيرا .

وقيل الغي الضلال . وقيل الخيبة وقيل الخسران وقيل الهلاك وقيل العذاب وقيل هو اسم واد في جهنم تستعيذ من حره أوديتها أعد للزناة وشربة الخمر وشهاد الزور وأكلة الربا والعاقين لوالديهم .

وقيل في الكلام حذف . والتقدير سيلقون جزاء الغي . قاله الزجاج . ومثله قوله سبحانه : يلق آثاما . أي جزاء آثام .

أخرج أحمد وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي وغيرهم ، عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلا هذه الآية قال : يكون خلف من بعد ستين سنة ؛ أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ، فسوف يلقون غيا ، ثم يكون خلف يقرئون القرآن لا يعدوا تراقيهم ، ويقرأ القرآن ثلاثة ؛ مؤمن ومنافق وفاجر{[1167]} . .

وأخرج أحمد والحاكم وصححه عن عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيهلك من أمتي أهل الكتاب وأهل اللبن قلت : يا رسول الله ما أهل الكتاب ؟ قال قوم يتعلمون الكتب يجادلون به الذين آمنوا ، قلت : وما أهل اللبن ؟ قال قوم يتبعون الشهوات ويضيعون الصلوات{[1168]} .

وعن عائشة أنها كانت ترسل بالصدقة لأهل الصدقة وتقول : لا تعطوا منها بربريا ، ولا بربرية ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : هم الخلف الذين قال الله فخلف من بعدهم خلف{[1169]} ، أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه .

وعن ابن مسعود قال : الغي نهر أو واد في جهنم من قيح بعيد القعر خبيث الطعم يقذف فيه الذين يتبعون الشهوات ، وقد قال بأنه واد في جهنم ، البراء بن عازب ، وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أن صخرة زنة عشر أواق قذف بها من شفير جهنم ما بلغت قعرها سبعين خريفا ، ثم ينتهي إلى غي ، وآثام ؛ قلت : وما غي ؟ وآثام ؟ قال نهران في أسفل جهنم يسيل فيهما صديد أهل النار ، وهما اللذان ذكر الله في كتابه فسوف يلقون غيا ، ومن يفعل ذلك يلق آثاما .

وأخرج ابن مردويه ؛عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : الغي واد في جهنم .


[1167]:المستدرك كتاب التفسير2/374.
[1168]:المستدرك كتاب التفسير2/374.
[1169]:المستدرك كتاب التفسير2/244.