نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{۞فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِۖ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّا} (59)

ولما كان من المقاصد العظيمة تبكيت اليهود ، لأنهم أهل الكتاب وعندهم من علوم الأنبياء ما{[48462]} ليس عند العرب وقد استرشدوهم{[48463]} واستنصحوهم ، فقد كان أوجب الواجبات عليهم محض النصح لهم ، فأبدى سبحانه من تبكيتهم ما تقدم إلى أن ختمه بأن جميع الأنبياء كانوا لله سجداً ولأمره خضعاً ، عقب ذلك بتوبيخ هو أعظم داخل فيه وهو أشد مما تقدم لمن خاف الله ورسله فقال : { فخلف من بعدهم } أي {[48464]}في بعض{[48465]} الزمان الذي بعد هؤلاء الأصفياء سريعاً { خلف } هم في غاية الرداءة { أضاعوا الصلاة } الناهية عن الفحشاء والمنكر التي هي طهرة الأبدان ، وعصمة الأديان ، وأعظم الأعمال ، بتركها أو تأخيرها عن وقتها و{[48466]}الإخلال بحدودها ، فكانوا لما سواها أضيع ، فأظلمت قلوبهم فأعرضوا عن داعي العقل { واتبعوا } {[48467]}أي بغاية جهدهم{[48468]} { الشهوات } التي توجب العار في الدنيا والنار في الآخرة ، فلا يقربها من يستحق أن يعد بين الرجال ، من تغيير أحكام الكتاب وتبديل ما فيه مما تخالف الأهواء كالرجم في الزنا ، وتحريم الرشى والربا ، ونحو ذلك ، وأعظمه كتم البشارة بالنبي العربي الذي هو من ولد إسماعيل { فسوف يلقون } أي يلابسون - {[48469]}وعدا لا خلف فيه{[48470]} بعد طول المهلة - جزاء فعلهم هذا { غيّاً * } أي {[48471]}شراً يتعقب{[48472]} ضلالاً عظيماً ، فلا يزالون في عمى عن طريق الرشاد{[48473]} لا يستطيعون إليه سبيلاً ، وهم على بصيرة من أنهم على خطأ وضلال ، ولكنهم مقهورون على ذلك بما زين لهم منه حتى صارت لهم فيه أتم رغبة ، وذلك أعظم الشر{[48474]} ، ولم يزل سبحانه يستدرجهم بالنعم إلى أن قطعوا بالظفر والغلبة حتى أناخت بهم سطوات العزة ، فأخذوا على غرة ، ولا أنكأ من الأخذ على هذه الصفة بعد توطين النفس على الفوز ، وهو من وادي قوله

ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكماً وصماً{[48475]} }[ الإسراء : 97 ] مع قوله { أسمع بهم وأبصر } وجزاء من كان هذا ديدنه في الدنيا والآخرة معروف لكل من له أدنى بصيرة أنه العار ثم النار ، وأيضاً فإن من ضل أخطأ طريق الفلاح من الجنة وغيرها فخاب ، ومن خاب فقد هلك ؛ قال أبو علي الجبائي{[48476]} : والغي هو الخيبة في اللغة - انتهى . ويجوز أن يراد بالغي الهلاك ، إما من قولهم - أغوية - وزن أثفية - أي مهلكة ، وإما من تسمية الشيء باسم ما يلزمه .


[48462]:زيد من ظ ومد.
[48463]:من مد، وفي الأصل وظ: استرشدهم العرب.
[48464]:من مد وفي الأصل: من بعد؛ والعبارة من هنا – بما فيها هاتان الكلمتان ساقطة من ظ إلى "الذي" .
[48465]:من مد وفي الأصل: من بعد؛ والعبارة من هنا – بما فيها هاتان الكلمتان ساقطة من ظ إلى "الذي".
[48466]:في ظ: أو.
[48467]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[48468]:سقط ما بين الرقمين من ظ
[48469]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[48470]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[48471]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[48472]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[48473]:زيدت الواو في الأصل ولم تكن في ظ ومد فحذفناها.
[48474]:من مد، وفي الأصل: أثر والعبارة من "ذلك" إلى هنا – بما فيها هذه الكلمة – ساقطة من ظ
[48475]:سورة 17 آية 97.
[48476]:هو محمد بن عبد الوهاب بن سلام أبو علي الجبائي البصري المعتزلي المتوفى في سنة 303 هـ وكان متكلما مفسرا – راجع معجم المؤلفين 10 / 269.