السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِۖ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّا} (59)

ولما وصف سبحانه وتعالى هؤلاء الأنبياء بصفة المدح ترغيباً لنا في التأسي بهم ذكر بعدهم من هو بالضدّ منهم فقال : { فخلف من بعدهم } أي : في بعض الزمان الذي بعد هؤلاء الأصفياء سريعاً { خلف } في غاية الرداءة من أولادهم يقال خلفه إذا عقبه خلف سوء بإسكان اللام والخلف بفتح اللام الصالح كما قالوا وعد في ضمان الخير ووعيد في ضمان الشر وفي الحديث : «في الله خلف من كل هالك » وفي الشعر :

ذهب الذي يعاش في أكنافهم *** وبقيت في خلف كجلد الأجرب

وقال السدي : أراد بهم اليهود ومن لحق بهم وقال قتادة : في { أضاعوا الصلاة } تركوا الصلاة المفروضة ، وقال ابن مسعود وإبراهيم : أخروها عن وقتها ، وقال سعيد بن المسيب : هو أن لا يصلي الظهر حتى يأتي العصر ولا يصلي العصر حتى تغرب الشمس . { واتبعوا الشهوات } أي : المعاصي قال ابن عباس : هم اليهود تركوا الصلاة المفروضة وشربوا الخمور واستحلوا نكاح الأخت من الأب ، وقال مجاهد : هؤلاء قوم يظهرون في آخر الزمان ينزو بعضهم على بعض في الأسواق والأزقة { فسوف يلقون غياً } وهو كما قال وهب وابن عباس : واد في جهنم بعيد قعره تستعيذ منه أوديتها كما رواه الحاكم وصححه ، وقيل : هو الخسران وقيل هو الشر كقول القائل :

فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره *** ومن يغو لا يعدم على الغيّ لائما

على الغيّ متعلق بلائماً وقيل : يلقون جزاء الغي كقوله : { يلق أثاماً } [ الفرقان ، 68 ] أي : مجازاة الآثام .

تنبيه : قوله تعالى : { يلقون } ليس معناه يرون فقط بل معناه الاجتماع والملابسة مع الرؤية .