معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي  
{إِذۡ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ يَٰعِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ هَلۡ يَسۡتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيۡنَا مَآئِدَةٗ مِّنَ ٱلسَّمَآءِۖ قَالَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (112)

قوله تعالى : { آمنا واشهد بأنا مسلمون إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك } قرأ الكسائي : ( هل تستطيع ) بالتاء .

( ربك ) بنصب الباء ، وهو قراءة علي ، وعائشة ، وابن عباس ومجاهد ، أي : هل تستطيع أن تدعو وتسأل ربك ، وقرأ الآخرون : ( يستطيع ) بالياء ، و( ربك ) برفع الباء ، ولم يقولوا شاكين في قدرة الله عز وجل ، ولكن معناه : هل ينزل ربك أم لا ؟ كما يقول الرجل لصاحبه : هل تستطيع أن تنهض معي ؟ وهو يعلم أنه يستطيع ، وإنما يريد هل يفعل ذلك أم لا ؟ وقيل : يستطيع بمعنى يطيع ، يقال : أطاع ، واستطاع ، بمعنى واحد ، كقوله : أجاب واستجاب ، معناه : هل يعطيك ربك بإباحة سؤالك ؟ وفي الآثار : من أطاع الله أطاعه الله ، وأجرى بعضهم على الظاهر ، فقالوا : غلط القوم ، وقالوا قبل استحكام المعرفة ، وكانوا بشرا ، فقال لهم عيسى عليه السلام عند الغلط ، استعظاماً لقولهم : { اتقوا الله إن كنتم مؤمنين } أي : لا تشكوا في قدرته .

قوله تعالى : { أن ينزل علينا مائدة من السماء } ، المائدة الخوان الذي عليه الطعام ، وهي فاعلة ، من : ماده يميده إذا أعطاه وأطعمه ، كقوله ماره يميره ، وامتار : افتعل منه ، والمائدة هي الطعمة للآكلين ، وسمي الطعام ، أيضاً مائدة على الجواز ، لأنه يؤكل على المائدة ، وقال أهل الكوفة : سميت مائدة لأنها تميد بالآكلين ، أي تميل . وقال أهل البصرة : فاعلة ، بمعنى المفعولة ، يعني ميد بالآكلين إليها ، كقوله تعالى { عيشة راضية } أي : مرضية .

قوله تعالى : { قال } ، عيسى عليه السلام مجيباً لهم : { اتقوا الله إن كنتم مؤمنين } ، فلا تشكوا في قدرته .

وقيل : اتقوا الله أن تسألوه شيئاً لم يسأله الأمم قبلكم ، فنهاهم عن اقتراح الآيات بعد الإيمان .