وقوله تعالى : ( إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ )
اختلف فيه : قيل : إن قوما سألوا[ في الأصل وم : من ] الحواريين أن يسألوا عيسى عليه السلام حتى يسأل ربه أن ينزل علينا مائدة من السماء لأن الحواريين قد قلنا : إنهم كانوا خواص عيسى عليه السلام فكان كمن بدت له حاجة إلى بعض الملوك فإنه إنما يرفع[ من م ، في الأصل : وقع ] إلى خواصه ؛ فهم الذين يتولون رفعها إلى الملك . فعلى ذلك رفعوا حاجتهم إلى الحواريين ليسألوا هم نبي الله عيسى عليه السلام ليسأل ربه .
وقال آخرون : لم يسألهم[ في الأصل وم : يسألوا ] قومهم ذلك ، ولكن الحواريين هم الذين سألوا عيسى عليه السلام أن يسأل ربه حتى ينزل عليهم مائدة من السماء .
لكن سؤالهم[ في الأصل وم : سألهم ] ذلك يحتمل [ وجوها :
أحدها ][ ساقطة من الأصل وم ] سألوا ذلك لما أرادوا أن يشاهدوا الآية ، ولم يكونوا شاهدوا قبل ذلك ، فأحبوا أن يشاهدوها ، وإن كانوا قد آمنوا به ، وصدقوه من قبل [ ليزدادوا هم ][ في الأصل وم : ليزداد ] بذلك طمأنينة ويقينا ، وهو كقول إبراهيم عليه السلام ( رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي )[ البقرة : 260 ] لما يحتمل أن نفسه كانت تحدث ، وتنازع في ذلك ، وأحب أن يعاين ذلك ، ويشاهده ليزداد هو[ في الأصل وم : له ] طمأنينة ويقينا . فعلى ذلك أولئك كانت[ في الأصل وم : كان ] أنفسهم تحدث ، وتنازع في مشاهدة الآيات ، فأحبوا أن يريهم بذلك [ ليزدادوا هم ][ في الأصل وم : ليزداد لهم ] طمأنينة ويقينا وصلابة في التصديق ، والله أعلم .
والثاني : يحتمل أن يكون عيسى يخبرهم أن لهم كرامة ومنزلة عند الله ، فأحبوا أن يعرفوا منزلتهم عند الله وكرامتهم .
والثالث : سألوا ذلك ليعرفوا منزلة عيسى عليه السلام عند الله وكرامته ؛ هل يجيب ربه دعاءه إذا سأل ربه ، والله أعلم ؟
وإن كان السؤال من قوم غير الحواريين فهو لما بدت لهم من الحاجة إليها ، لا يعلم ذلك إلا بالخبر الصادق .
وقوله تعالى : ( هل يستطيع ربك ) يقرأ بالتاء والياء جميعا[ قرأ الكسائي : تستطيع بالتاء ، ربك بالنصب وقرأ الباقون : يستطيع بالياء ، ربك بالرفع ، انظر حجة القراءات ص240 ] . فمن قرأ بالتاء ذهب في التأويل إلى أن فيه إضمارا ؛ كأنهم قالوا : هل تستطيع أن تسأل ربك ( أن ينزل علينا مائدة من السماء ) ومن قرأ بالياء قال : ( هل يستطيع ربك ) أي هل يجيب ربك دعاءك إذا دعوته ؟ ( أن ينزل علينا مائدة من السماء ) .
قال الفراء : قد يكون مثل هذا السؤال على غير الجهل من السائل بالمسؤول لأنه يجوز أن يقال في الكلام : هل يستطيع فلان أن يقوم بحاجتنا وفي أمرنا على علم منه ؟ هل يستطيع ربك على علم منهم أن عيسى يستطيع السؤال لربه ؟ لكنهم قالوا ذلك لما ذكر . وذلك جائز في اللغة .
ويجوز أن يراد بالاستطاعة الإرادة ؛ يقول الرجل : لا أستطيع أن أنظر إلى فلان ، وهو يقدر النظر ، لكنه يريد بذلك : لا أريد أن أنظر إليه . فعلى ذلك قوله تعالى : ( هل يستطيع ربك ) هل يأذن ربك بالسؤال في ذلك ، والله أعلم .
وقوله تعالى : ( اتقوا الله إن كنتم مؤمنين ) أي اتقوا الله ؛ لا تسألوا شيئا لم يأذن لكم في ذلك ( إن كنتم مؤمنين ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.