تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِذۡ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ يَٰعِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ هَلۡ يَسۡتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيۡنَا مَآئِدَةٗ مِّنَ ٱلسَّمَآءِۖ قَالَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (112)

وقوله تعالى : ( إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ )

اختلف فيه : قيل : إن قوما سألوا[ في الأصل وم : من ] الحواريين أن يسألوا عيسى عليه السلام حتى يسأل ربه أن ينزل علينا مائدة من السماء لأن الحواريين قد قلنا : إنهم كانوا خواص عيسى عليه السلام فكان كمن بدت له حاجة إلى بعض الملوك فإنه إنما يرفع[ من م ، في الأصل : وقع ] إلى خواصه ؛ فهم الذين يتولون رفعها إلى الملك . فعلى ذلك رفعوا حاجتهم إلى الحواريين ليسألوا هم نبي الله عيسى عليه السلام ليسأل ربه .

وقال آخرون : لم يسألهم[ في الأصل وم : يسألوا ] قومهم ذلك ، ولكن الحواريين هم الذين سألوا عيسى عليه السلام أن يسأل ربه حتى ينزل عليهم مائدة من السماء .

لكن سؤالهم[ في الأصل وم : سألهم ] ذلك يحتمل [ وجوها :

أحدها ][ ساقطة من الأصل وم ] سألوا ذلك لما أرادوا أن يشاهدوا الآية ، ولم يكونوا شاهدوا قبل ذلك ، فأحبوا أن يشاهدوها ، وإن كانوا قد آمنوا به ، وصدقوه من قبل [ ليزدادوا هم ][ في الأصل وم : ليزداد ] بذلك طمأنينة ويقينا ، وهو كقول إبراهيم عليه السلام ( رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي )[ البقرة : 260 ] لما يحتمل أن نفسه كانت تحدث ، وتنازع في ذلك ، وأحب أن يعاين ذلك ، ويشاهده ليزداد هو[ في الأصل وم : له ] طمأنينة ويقينا . فعلى ذلك أولئك كانت[ في الأصل وم : كان ] أنفسهم تحدث ، وتنازع في مشاهدة الآيات ، فأحبوا أن يريهم بذلك [ ليزدادوا هم ][ في الأصل وم : ليزداد لهم ] طمأنينة ويقينا وصلابة في التصديق ، والله أعلم .

والثاني : يحتمل أن يكون عيسى يخبرهم أن لهم كرامة ومنزلة عند الله ، فأحبوا أن يعرفوا منزلتهم عند الله وكرامتهم .

والثالث : سألوا ذلك ليعرفوا منزلة عيسى عليه السلام عند الله وكرامته ؛ هل يجيب ربه دعاءه إذا سأل ربه ، والله أعلم ؟

وإن كان السؤال من قوم غير الحواريين فهو لما بدت لهم من الحاجة إليها ، لا يعلم ذلك إلا بالخبر الصادق .

وقوله تعالى : ( هل يستطيع ربك ) يقرأ بالتاء والياء جميعا[ قرأ الكسائي : تستطيع بالتاء ، ربك بالنصب وقرأ الباقون : يستطيع بالياء ، ربك بالرفع ، انظر حجة القراءات ص240 ] . فمن قرأ بالتاء ذهب في التأويل إلى أن فيه إضمارا ؛ كأنهم قالوا : هل تستطيع أن تسأل ربك ( أن ينزل علينا مائدة من السماء ) ومن قرأ بالياء قال : ( هل يستطيع ربك ) أي هل يجيب ربك دعاءك إذا دعوته ؟ ( أن ينزل علينا مائدة من السماء ) .

قال الفراء : قد يكون مثل هذا السؤال على غير الجهل من السائل بالمسؤول لأنه يجوز أن يقال في الكلام : هل يستطيع فلان أن يقوم بحاجتنا وفي أمرنا على علم منه ؟ هل يستطيع ربك على علم منهم أن عيسى يستطيع السؤال لربه ؟ لكنهم قالوا ذلك لما ذكر . وذلك جائز في اللغة .

ويجوز أن يراد بالاستطاعة الإرادة ؛ يقول الرجل : لا أستطيع أن أنظر إلى فلان ، وهو يقدر النظر ، لكنه يريد بذلك : لا أريد أن أنظر إليه . فعلى ذلك قوله تعالى : ( هل يستطيع ربك ) هل يأذن ربك بالسؤال في ذلك ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( اتقوا الله إن كنتم مؤمنين ) أي اتقوا الله ؛ لا تسألوا شيئا لم يأذن لكم في ذلك ( إن كنتم مؤمنين ) .