الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{إِذۡ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ يَٰعِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ هَلۡ يَسۡتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيۡنَا مَآئِدَةٗ مِّنَ ٱلسَّمَآءِۖ قَالَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (112)

قرأ علي وعائشة وابن عباس وابن جبير ومجاهد : هل تستطيع بالتاء ، ربك بنصب الباء ، وهو اختيار الكسائي وأبي عبيد على معنى هل تستطيع أن تدعو ربّك كقوله :{ وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ } [ يوسف : 82 ] . وقالوا : لأن الحواريين لم يكونوا شاكّين في قدرة اللّه تعالى . وقرأ الباقون بالياء قيل : يستطيع ربك برفع الباء فقالوا : إنهم لم يشكوا في قدرة اللّه تعالى وإنما معناه هل ينزل أم لا كما يقول الرجل لصاحبه : هل تستطيع أن تنهض معي وهو يعلم أنّه يستطيع وإنّما يريد هل يفعل أم لا ، وأجراه بعضهم على الظاهر ، فقالوا : غلط قوم وكانوا مشوا ، فقال لهم عيسى عند الغلط استعظاماً لقولهم : هل يستطيع ربك { اتَّقُواْ اللَّهَ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } أي أن تشكوا في قدرة اللّه تعالى أو تنسبوه إلى عجز أو نقصان ولستم بمؤمنين ، والمائدة هي الخوان الذي عليه الطعام وهي فاعلة إذا أعطاه وأطعمه ، كقولهم : ماد يميد ، وغار يغير ، وامتاد افتعل ومنه قول روبة :

تهدى رؤس المترفين الأنداد *** إلى أمير المؤمنين الممتاد

أي المستعطي .

قال رؤبة : والمائدة هي المطعمة المعطية الآكلين الطعام ، وسمي الطعام أيضاً مائدة على الخوان ، لأنه يؤكل على المائدة كقولهم للمطر سماء ، وللشحم ثرى .

وقال أهل الكوفة : سميت مائدة لأنها تميد الآكلون أي تميل ومنه قوله :{ وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ } [ النحل : 15 ] .

قال الشاعر :

وأقلقني قتل الكناني بعده *** وكادت بي الأرض الفضاء تميد

فقال أهل البصرة : هي فاعلة بمعنى المفعول أي تميد بالآكلين إليها ، كقوله عيشة راضية أي مرضية ، قال عيسى مجيباً لهم { اتَّقُواْ اللَّهَ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } فلا تشكوا في قدرته . وقيل : اتقوا اللّه أن تسألوه شيئاً لم يسأله الأمم قبلكم