فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{إِذۡ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ يَٰعِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ هَلۡ يَسۡتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيۡنَا مَآئِدَةٗ مِّنَ ٱلسَّمَآءِۖ قَالَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (112)

إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين( 112 )

{ إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم }- منصوب باذْكر على أنه ابتداء كلام لبيان ما جرى بينه عليه الصلاة والسلام وبين قومه ، منقطع عما قبله ، كما يشير إليه الإظهار ( {[1930]} ) في مقام الإضمار- ( {[1931]} ) ؛ { هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين . قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين } المائدة : الخوان الذي عليه الطعام ، وتطلق على نفس الطعام كذلك ؛ واختار بعضهم أن المائدة كل ما يٌمد ويٌبسط . المراد بها : السفرة ؛ وهل قالوا هذا القول ليزدادوا بالآية ونزول المائدة إيمانا ، ويعلموا علم مشاهدة وعيان بعد علم الإيمان والاستيقان ؟ أم قالوه لأن قلوبهم لم تكن مطمئنة بالإيمان ؟ ذهب ابن عطية إلى أنهم كانوا مؤمنين ، وأيد ذلك بقوله تعالى : { فمن يكفر بعد منكم } ، وبأن وصفهم بالحواريين ينافي أن يكونوا أهل الباطل ، وبأن الله تعالى أمر المؤمنين بالتشبه بهم والاقتداء بسننهم في قوله عز مِن قائل : ( . . كونوا أنصار الله . . ) ( {[1932]} ) ، وبأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مدح الزبير ، فقال : " إن لكل نبي حواريا وإن حواري الزبير " ؛ لكن ابن جرير خالفه في ذلك وقال : خبر الله تعالى عن القوم ينبئ بخلاف ذلك ، وذلك أنهم قالوا لعيسى إذ قال لهم : { اتقوا الله إن كنتم مؤمنين } .


[1930]:يريد إلى أنه لم يكن منقطعا لجاء: إذ قالوا، وعاد الضمير على من ذكروا في الآية السابقة.
[1931]:ما بين العارضتين من روح المعاني.
[1932]:سورة الصف. من الآية 14.