فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِذۡ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ يَٰعِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ هَلۡ يَسۡتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيۡنَا مَآئِدَةٗ مِّنَ ٱلسَّمَآءِۖ قَالَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (112)

قوله : { إِذْ قَالَ الحواريون } الظرف منصوب بفعل مقدر ، أي ، اذكر أو نحوه كما تقدّم ، قيل والخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم . قرأ الكسائي : { هَل تَسْتَطِيعَ } بالفوقية ، ونصب ربك ، وبه قرأ عليّ وابن عباس ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد . وقرأ الباقون بالتحتية ورفع ربك . واستشكلت القراءة الثانية بأنه قد وصف سبحانه الحواريين بأنهم قالوا : { آمَنَّا واشهد بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ } والسؤال عن استطاعته لذلك ينافي ما حكوه عن أنفسهم . وأجيب بأن هذا كان في أوّل معرفتهم قبل أن تستحكم معرفتهم بالله ، ولهذا قال عيسى في الجواب عن هذا الاستفهام الصادر منهم ، { اتقوا الله إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ } أي لا تشكوا في قدرة الله . وقيل : إنهم ادّعوا الإيمان والإسلام دعوى باطلة ، ويردّه أن الحواريين هم خلصاء عيسى وأنصاره ، كما قال : { مَنْ أَنصَارِى إِلَى الله قَالَ الحواريون نَحْنُ أَنْصَارُ الله } وقيل : إن ذلك صدر ممن كان معهم ، وقيل : إنهم لم يشكوا في استطاعة البارئ سبحانه ، فإنهم كانوا مؤمنين عارفين بذلك ، وإنما هو كقول الرجل : هل يستطيع فلان أن يأتي مع علمه بأنه يستطيع ذلك ويقدر عليه ، فالمعنى : هل يفعل ذلك وهل يجيب إليه ؟ وقيل إنهم طلبوا الطمأنينة كما قال إبراهيم عليه السلام { رَبّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيي الموتى } الآية . ويدل على هذا قولهم من بعد { وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا } وأما على القراءة الأولى ، فالمعنى : هل تستطيع أن تسأل ربك . قال الزجاج : المعنى هل تستدعي طاعة ربك فيما تسأله فهو من باب : { واسأل القرية } ، والمائدة : الخوان إذا كان عليه الطعام ، من ماده : إذا أعطاه ورفده كأنها تميد من تقدّم إليه قاله قطرب وغيره . وقيل هي فاعلة بمعنى مفعولة ك{ عيشة راضية } قاله أبو عبيدة ، فأجابهم عيسى عليه السلام بقوله : { اتقوا الله إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ } أي اتقوه من هذا السؤال ، وأمثاله إن كنتم صادقين في إيمانكم ، فإن شأن المؤمن ترك الاقتراح على ربه على هذه الصفة ؛ وقيل : إنه أمرهم بالتقوى ليكون ذلك ذريعة إلى حصول ما طلبوه .

/خ115