أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خِلَٰلٌ} (31)

{ قل لعبادي الذين آمنوا } خصهم بالإضافة تنويها لهم وتنبيها على أنهم المقيمون لحقوق العبودية ، ومفعول { قل } محذوف يدل عليه جوابه : أي قل لعبادي الذين آمنوا أقيموا الصلاة وأنفقوا . { يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم } فيكون إيذانا بأنهم لفرط مطاوعتهم للرسول صلى الله عليه وسلم بحيث لا ينفك فعلهم عن أمره ، وأنه كالسبب الموجب له ، ويجوز أن يقدرا بلام الأمر ليصح تعلق القول بهما وإنما حسن ذلك ها هنا ولم يحسن في قوله :

محمد تفد نفسك كل نفسٍ *** إذا ما خفت من أمرٍ تبالاَ

لدلالة قل عليه . وقيل هما جوابا أقيموا وأنفقوا مقامين مقامهما ، وهو ضعيف لأنه لا بد من مخالفة ما بين الشرك وجوابه ولأن أمر المواجهة لا يجاب بلفظ الغيبة إذا كان الفاعل واحدا . { سرّاً وعلانية } منتصبان على المصدر أي إنفاق سر وعلانية ، أو على الحال أي ذوي سر وعلانية ، أو على الظرف أي وقتي سر وعلانية ، والأحب إعلان الواجب وإخفاء المتطوع به . { من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه } فيبتاع المقصر ما يتدارك به تقصيره أو يفدي به نفسه . { ولا خلال } ولا مخالة فيشفع لك خليل ، أو من قبل أن يأتي يوم لا انتفاع فيه بمبايعة ولا مخالة وإنما ينتفع فيه بالإنفاق لوجه الله تعالى . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بالفتح فيهما على النفي العام .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خِلَٰلٌ} (31)

«العباد » جمع عبد ، وعرفه في التكرمة بخلاف العبيد{[7079]} . وقوله : { يقيموا } قالت فرقة من النحويين : جزمه بإضمار لام الأمر على حد قول الشاعر : [ الوافر ]

محمد تفد نفسك كل نفس{[7080]} . . . أنشده سيبويه - إلا أنه قال : إن هذا لا يجوز إلا في شعر . وقالت فرقة : أبو علي وغيره - هو فعل مضارع بني لما كان في معنى فعل الأمر ، لأن المراد : أقيموا ، وهذا كما بني الاسم المتمكن في النداء في قولك : يا زيد لما شبه بقبل وبعد{[7081]} ، وقال سيبويه : هو جواب شرط مقدر يتضمنه صدر الآية ، تقديره : إن تقل لهم أقيموا يقيموا .

قال القاضي أبو محمد : ويحتمل أن يكون جواب الأمر الذي يعطينا معناه قوله : { قل } ، وذلك أن يجعل { قل } في هذه الآية بمعنى : بلغ وأد الشيعة يقيموا الصلاة{[7082]} ، وهذا كله على أن المقول هو : الأمر بالإقامة والإنفاق . وقيل إن المقول هو : الآية التي بعد ، أعني قوله : { الله الذي خلق السماوات } .

و «السر » : صدقة التنقل ، و «العلانية » المفروضة - وهذا هو مقتضى الأحاديث - وفسر ابن عباس هذه الآية بزكاة الأموال مجملاً ، وكذلك فسر الصلاة بأنها الخمس - وهذا منه - عندي - تقريب للمخاطب .

و { خلال } مصدر من خلل : إذا واد وصافى ، ومنه الخلة والخليل وقال امرؤ القيس : [ الطويل ]

صرفت الهوى عنهن من خشية الردى . . . ولست بمقلي الخلال ولا قال{[7083]}

وقال الأخفش : «الخلال » جمع خلة .

وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي وابن عامر : «لا بيع ولا خلال » بالرفع على إلغاء «لا » وقرأ أبو عمرو والحسن وابن كثير : «ولا بيعَ ولا خلالَ » بالنصب على التبرية ، وقد تقدم هذا . والمراد بهذا اليوم يوم القيامة .


[7079]:في (اللسان): قال الأزهري: "اجتمع العامة على تفرقة ما بين عباد الله والمماليك، فقالوا: هذا عبد من عباد الله، وهؤلاء عبيد مماليك"، وجعل بعضهم العباد لله، وغيره من الجمع لله والمخلوقين.
[7080]:يقال: قد يته فداء وفدى، وافتديته، والبيت نسب إلى أبي طالب، وحسان، والأعشى، وليس في ديوان أحد منهم، وهو في سيبويه، والخزانة، والعيني، والأشموني، و هو بتمامه: محمد تفد نفسك كل نفس إذا ما خفت من شيء تبالا والمعنى: كل النفوس فداء للنبي صلى الله عليه وسلم، والشاهد فيه أن "تفد" مجزوم بإضمار لام الأمر، والتقدير: لتفد نفسك كل نفس. والتبال: سوء العاقبة.
[7081]:رد بعض العلماء هذا بقولهم: لو كان مضارعا بلفظ الخبر و معناه الأمر لبقي على إعرابه بالنون كقوله تعالى: {هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم}، ثم قال: {تؤمنون بالله}، والمعنى: آمنوا بالله.
[7082]:علق عليه أبو حيان في تفسيره (البحر المحيط) بقوله: "هذا الذي ذهب إليه تفكيك للكلام يخالفه ترتيب التركيب، و يكون قوله: {يقيموا الصلاة} كلاما مفلتا من القول و معموله، أو يكون جوابا فصل به بين القول ومعموله، ولا يترتب أن يكون جوابا لأن قوله: {الذي خلق السموات والأرض} لا يستدعي إقامة الصلاة والإنفاق إلا بتقدير بعيد جدا".
[7083]:هذا البيت من قصيدته المشهورة التي بدأها بقوله: ألا عم صباحا أيها الطلل البالي وهل يعمن من كان في العصر الخالي والمقلي: المبغض، والقالي: المبغض، والحلال: الصفات، يقول: إنه لم يدع حب الحسان يتملكه خشية الهلاك، وهو يريد الهلاك بالشهوة والضني والتيتم، فإن هذا يقضي على الحبيب، ثم يقول: إنه لم ينصرف عنهن لسوء في طباعه، بل نجاة من الهلاك.