لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خِلَٰلٌ} (31)

جعل الله راحةَ العبدِ - اليومَ - بكمالها في الصلاة ؛ فإنَّها محلُّ المناجاة ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " أَرِحَنا يا بلال بالصلاة " والصلاة استفتاح باب الرزق ، قال تعالى : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَواةِ واصْطَبِرْ عَليْهَا لاَ نَسْئَلُكَ رِزْقاً } [ طه :132 ] .

وفي الصلاة يبث العبد أسرارَه مع الحق ؛ فإذا كان لقاءُ الإخوان - كما قالوا - مَسْلاَةً لهم كيف بمناجاتك مع الله ، ونشر قصتك بين يديه ؟ كما قيل :

قُلْ لي بألسنة التَنَفُّسِ *** كيف أنت وكيف حالك ؟

{ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُم } : أمرهم بإنفاق اللسان على ذكره ، وإنفاق البَدَنِ على طاعته ، والوقتَ على شكره ، والقلبَ على عرفانه ، والروح على حبه ، والسِّرّ على مشاهدته . . ولا يكلِّف الله نَفْساً إلا ما آتاها ، وإنما يطالبك بأن نحضر إلى الباب ، وتقف على البساط بالشاهد الذي آتاك . . يقول العبد المسكين : لو كان لي نَفْسٌ أطوع من هذه لأَتَيْتُ بها ، ولو كان لي قلبٌ أشذُّ وفاءً من هذا لَجُدْتُ به ، وكذلك بروحي وسِرِّي ، وقيل :

يفديك بالروح صَبٌّ لو أنَّ له *** أعز من روحه شيئاً فداك به

{ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوم لا بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ } : وفي هذا المعنى أنشدوا :

قلتُ للنَّفس إنْ أردتِ رجوعاً *** فارجعي قبل أن يُسدَّ الطريق