ولما أمر الله تعالى الكافرين على سبيل التهديد والوعيد بالتمتع بنعيم الدنيا ، أمر المؤمنين بترك التمتع بالدنيا والمبالغة في المجاهدة بالنفس والمال بقوله تعالى : { قل لعبادي } فوصفهم بأشرف أوصافهم ، وأضافهم إلى ضميره الشريف تحبباً لهم فيه ، ثم أتبع هذا الوصف ما يناسبه من إذعانهم لسيدهم بقوله تعالى : { الذين آمنوا } ، أي : أوجدوا هذا الوصف { يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم } فيه وجهان : أحدهما : يصح أن يكون جواباً بالأمر محذوف تقديره قل لعبادي الذين آمنوا : أقيموا الصلاة وأنفقوا يقيموا الصلاة وينفقوا . والثاني : يصح أن يكون هو أمراً مقولاً محذوفاً منه اللام ، أي : ليقيموا ليصح تعلق القول بهما ، وإنما حسن ذلك هاهنا ولم يحسن في قوله :
محمد تفد نفسك كل نفس *** إذا ما خفت من شيء تبالا
أي تبالى به ، أي : تكثرت به لدلالة قل عليه : { سراً وعلانية } ، أي : ينفقون أموالهم في حال السر والعلانية ، وقيل : المراد بالسر صدقة التطوع ، وبالعلانية إخراج الزكاة الواجبة .
تنبيه : في انتصاب سرّاً وعلانية وجوه : أحدها : أن يكون على الحال ، أي : ذوي سر وعلانية بمعنى مسرّين ومعلنين . والثاني : على الظرف ، أي : وقت سر وعلانية . وثالثها : على المصدر ، أي : إنفاق سر وإنفاق علانية . ولما أمرهم الله تعالى بإقامة الصلاة والإنفاق أشار إلى عدم التهاون بذلك بقوله عز وجل : { من قبل أن يأتي يوم } ، أي : عظيم جدّاً ليس كشيء من الأيام التي تعرفونها { لا بيع فيه } ، أي : فيشتري المقصر ما يتدارك به تقصيره ، أو يفدي به نفسه { ولا خلال } ، أي : مخالة ، أي : صداقة تنفع في ذلك اليوم .
قال مقاتل : إنما هو يوم لا بيع فيه ولا شراء ولا مخالة ولا قرابة ، فكأنه تعالى يقول : أنفقوا أموالكم في الدنيا حتى تجدوا ثواب ذلك الإنفاق في مثل هذا اليوم الذي لا يحصل فيه مبايعة ولا مخالة ، ونظير هذه الآية قوله تعالى في سورة البقرة : { لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة } [ البقرة ، 254 ] . فإن قيل : كيف نفى الله تعالى المخالة في هاتين الآيتين مع أنه تعالى أثبتها في قوله تعالى : { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ إلا المتقين } [ الزخرف ، 67 ] ؟ أجيب : بأن الآية الدالة على نفي المخالة محمولة على نفي المخالة بسبب ميل الطبع ورغبة النفس ، والآية الدالة على حصول المخالة محمولة على حصول المخالة الحاصلة بسبب عبودية الله تعالى ومحبة الله تعالى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.