محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خِلَٰلٌ} (31)

/ [ 31 ] { قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال 31 } .

{ قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم } وهو يوم القيامة { لا بيع فيه } أي : ليتدارك به التقصير ، أو يفتدى به { ولا خلال } أي : مخالة . مصدر بمعنى المصاحبة ، أي لا مفاداة فيه ولا خلة أحد بمغنية شيئا من شفاعة أو مسامحة بمال يفتدى به ، كما قال تعالى{[5158]} : { واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون } .

قال الزمخشري : فإن قلت كيف طابق الأمر بالإنفاق وصف اليوم بأنه لا بيع فيه ولا خلال ؟ قلت : من قبل أن الناس يخرجون أموالهم في عقود المعاوضات فيعطون بدلا ليأخذوا مثله ، وفي المكارمات ومهاداة الأصدقاء ليستجرّوا بهداياهم أمثالها أو خيرا منها ، وأما الإنفاق لوجه الله خالصا ، فلا يفعله إلا المؤمنون الخلص فبعثوا عليه ليأخذوا بدله في يوم لا بيع فيه ولا خلال . أي : لا انتفاع فيه بمبايعة ولا بمخالة ولا بما ينفقون فيه أموالهم من المعاوضات والمكارمات . وإنما ينتفع فيه بالإنفاق لوجه الله . انتهى .

قال أبو السعود : والظاهر أن ( من ) متعلقة ب : { أنفقوا } وتذكير إتيان ذلك اليوم لتأكيد مضمونه ، من حيث أن كلا من فقدان الشفاعة وما يتدارك به التقصير ، معاوضة وتبرعا ، وانقطاع آثار البيع والخلال الواقعين في الدنيا وعدم الانتفاع بهما - من أقوى الدواعي إلى الإتيان بما تبقى عوائده وتدوم فوائده من الإنفاق في سبيله تعالى . أو من حيث أن ادخار المال وترك إنفاقه ، إنما يقع غالبا للتجارات والمهاداة . فحيث لا يمكن / ذلك في الآخرة ، فلا وجه لادخاره إلى وقت الموت . وتخصيص التأكيد بذلك لميل الطباع إلى المال ، وكونها مجبولة على حبه والفتنة به . ولا يبعد أن يكون تأكيدا لمضمون الأمر بإقامة الصلاة أيضا ، من حيث أن تركها ، كثيرا ما يكون بالاشتغال بالبيوع والمخالات . كما في قوله تعالى{[5159]} : { وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها } .


[5158]:[2 / البقرة / 123].
[5159]:[62 / الجمعة / 11].