{ ومن الناس من يعجبك قوله } يروقك ويعظم في نفسك ، والتعجب : حيرة تعرض للإنسان لجهله بسبب المتعجب منه . { في الحياة الدنيا } متعلق بالقول ، أي ما يقوله في أمور الدنيا وأسباب المعاش ، أو في معنى الدنيا فإنها مراد من ادعاء المحبة وإظهار الإيمان ، أو يعجبك أي يعجبك قوله في الدنيا حلاوة وفصاحة ولا يعجبك في الآخرة لما يعتريه من الدهشة والحبسة ، أو لأنه لا يؤذن له في الكلام . { ويشهد الله على ما في قلبه } يحلف ويستشهد الله على أن ما في قلبه موافق لكلامه . { وهو ألد الخصام } شديد العداوة والجدال للمسلمين ، والخصام المخاصمة ويجوز أن يكون جمع خصم كصعب وصعاب بمعنى أشد الخصوم خصومة قيل نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي وكان حسن المنظر حلو المنطق يوالي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدعي الإسلام . وقيل في المنافقين كلهم .
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ( 204 )
قال السدي : «نزلت في الأخنس بن شريق ، واسمه أبيّ ، والأخنس لقب ، وذلك أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأظهر الإسلام ، وقال : الله يعلم أني صادق ، ثم هرب بعد ذلك ، فمر بقوم من المسلمين ، فأحرق لهم زرعاً ، وقتل حمراً ، فنزلت فيه هذه الآيات » .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : ما ثبت قط أن الأخنس أسلم( {[1915]} ) .
وقال ابن عباس : نزلت في قوم من المنافقين تكلموا في الذين قتلوا في غزوة الرجيع عاصم بن ثابت وخبيب وابن الدثنة وغيرهم قالوا : ويح هؤلاء القوم لا هم قعدوا في بيوتهم ولا أدوا رسالة صاحبهم ، فنزلت هذه الآيات في صفات المنافقين : ثم ذكر المستشهدين في غزوة الرجيع في قوله : { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله } الآية ، وقال قتادة ومجاهد وجماعة من العلماء : نزلت هذه الآيات في كل مبطن كفر أو نفاق أو كذب أو إضرار وهو يظهر بلسانه خلاف ذلك ، فهي عامة( {[1916]} ) ، وهي تشبه ما ورد في الترمذي أن في بعض كتب الله تعالى : «أن من عباد الله قوماً ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر ، يلبسون للناس جلود الضأن من اللين ، يجترون الدنيا بالدين ، يقول الله تعالى : أبي يغترون وعلي يجترون ؟ حلفت لأسلطن عليهم فتنة تدع الحليم منهم حيران »( {[1917]} ) . ومعنى { ويشهد الله } أي يقول : الله يعلم أني أقول حقاً ، وقرأ أبو حيوة وابن محيصن «ويشهدُ الله » بإسناد الفعل إلى اسم الجلالة( {[1918]} ) ، المعنى يعجبك قوله والله يعلم منه خلاف ما قال ، والقراءة التي للجماعة أبلغ في ذمه ، لأنه قوى على نفسه التزام الكلام الحسن ثم ظهر من باطنه خلافه ، و { ما في قلبه } مختلف بحسب القراءتين ، فعلى قراءة الجمهور هو الخير الذي يظهر ، أي هو في قلبه بزعمه ، وعلى قراءة ابن محيصن هو الشر الباطن ، وقرأ ابن عباس «والله يشهد على ما في قلبه » وقرأ أبي وابن مسعود «ويستشهد الله على ما في قبله » والألد : الشديد الخصومة الصعب الشكيمة الذي يلوي الحجج في كل جانب ، فيشبه انحرافه المشي في لديدي الوادي( {[1919]} ) ، ومنه لديد الفم ، واللدود ، ويقال منه : لدِدت بكسر العين ألد ، وهو ذم ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : «أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم »( {[1920]} ) ، ويقال : لَددته بفتح العين ألُده بضمها إذا غلبته في الخصام ، ومن اللفظة قول الشاعر : [ الخفيف ]
إنَّ تَحْتَ الأَحْجَارِ حَزْماً وَعَزْماً . . . وَخَصيماً أَلَدَّ ذا مِعْلاَقِ( {[1921]} )
و { الخصام } في الآية مصدر خاصم ، وقيل جمع خصم ككلب وكلاب ، فكان الكلام وهو أشد الخصماء والدهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.