أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمۡ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مِّن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۚ ذَٰلِكُمۡ تُوعَظُونَ بِهِۦۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (3)

والذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا أي إلى قولهم بالتدارك ، ومنه المثل عاد الغيث على ما أفسد وهو بنقض ما يقتضيه وذلك عند الشافعي بإمساك المظاهر عنها في النكاح زمانا يمكنه مفارقتها فيه إذ التشبيه يتناول حرمته لصحة استثنائها عنه ، وهو أقل ما ينتقض به وعند أبي حنيفة باستباحة استمتاعها ولو بنظرة شهوة وعند مالك بالعزم على الجماع ، وعند الحسن بالجماع أو بالظهار في الإسلام ، على أن قوله يظاهرون بمعنى يعتادون الظهار إذ كانوا يظاهرون في الجاهلية ، وهو قول الثوري أو بتكراره لفظا وهو قول الظاهرية ، أو معنى بأن يحلف على ما قال وهو قول أبي مسلم أو إلى المقول فيها بإمساكها أو استباحة استمتاعها أو وطئها ، فتحرير رقبة أي فعليهم أو فالواجب اعتقاق رقبة ، والفاء للسببية ومن فوائدها الدلالة على تكرر وجوب التحرير بتكرر الظهار ، والرقبة مقيدة بالإيمان عندنا قياسا على كفارة القتل من قبل أن يتماسا أن يستمتع كل من المظاهر عنها بالآخر لعموم اللفظ ومقتضى التشبيه أو أن يجامعها ، وفيه دليل على حرمة ذلك قبل التكفير ذلكم أي ذلكم الحكم بالكفارة توعظون به ، لأنه يدل على ارتكاب الجناية الموجبة للغرامة ويردع عنه والله بما تعملون خبير لا تخفى عليه خافية .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمۡ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مِّن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۚ ذَٰلِكُمۡ تُوعَظُونَ بِهِۦۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (3)

اختلف الناس في معنى قوله عز وجل : { ثم يعودون لما قالوا } فقال قوم : المعنى { والذين يظاهرون من نسائهم } في الجاهلية ، كأنه قال : والذين كان الظهار عادتهم ثم يعودون في ذلك في الإسلام ، وقاله القتبي وقال أهل الظاهر المعنى : والذين يظاهرون ثم يظاهرون ثم ثانية فلا يلزم عندهم كفارة إلا بأن يعيد الرجل الظهار ، قاله منذر بن سعيد ، وحينئذ هو عائد إلى القول الذي هو منكر وزور .

قال القاضي أبو محمد : وهذا قول ضعيف ، وإن كان القشيري قد حكاه عن بكير بن عبد الله بن الأشج{[11000]} وقال بعض الناس في هذه الآية تقديم وتأخير ، وتقديرها : «فتحرير رقبة لما قالوا » ، وهذا أيضاً قول يفسد نظر الآية ، وحكي عن الأخفش ، لكنه غير قوي . وقال قتادة وطاوس ومالك والزهري وجماعة كثيرة من أهل العلم معنى : { ثم يعودون لما قالوا } أي للوطء فالمعنى ثم يعودون لما قالوا إنهم لا يعودون فإذا ظاهر الرجل ثم وطئ فحينئذ تلزمه الكفارة في ذمته وإن طلق أو ماتت امرأته . وقال الشافعي وأبو حنيفة ومالك أيضاً وفريق { يعودون } معناه : بالعوم على إمساك الزوجة ووطئها والتزام التكفير لذلك ، فمتى وقع من المظاهر هذا العزم لزمت الكفارة ذمته ، طلق أو ماتت المرأة .

قال القاضي أبو محمد : وهذان القولان في مذهب مالك رحمه الله هما حسنان لزمت الكفارة فيهما بشرطين : ظهار وعود .

واختلفا في العود ما هو ؟ وقال الشافعي العود الموجب للكفارة : أن يمسك عن طلاقها بعد الظهار ويمضي بعد الظهار ما يمكنه أن يطلق فيه فلا يطلق ، والرقبة في الظهار لا تكون عند مالك إلا مؤمنة ، رد هذا : إلى المقيد الذي في كفارة القتل الخطأ .


[11000]:اختلفت الأصول في كتابة اسمه، فبعضهم كتبه "بكر"، وبعضهم كتبه "بشر"، والصواب أن ابن الأشج اسمه بُكير، قال عنه في "تهذيب التهذيب":"من أعلم أهل عصره بالحديث"، وقال عنه في "تقريب التهذيب":"أبو عبد الله، أو أبو يوسف، مولى بني مخزوم، المدني، نزيل مصر، ثقة، من الطبقة الخامسة، مات سنة عشرين".