{ واسئلهم } للتقرير والتقريع بقديم كفرهم وعصيانهم ، والإعلام بما هو من علومهم التي لا تعلم إلا بتعليم أو وحي ليكون لك ذلك معجزة عليهم . { عن القرية } عن خبرها وما وقع بأهلها . { التي كانت حاضرة البحر } قريبة منه وهي أيلة قرية بين مدين والطور على شاطئ البحر ، وقيل مدين ، وقيل طبرية . { إذ يعدون في السبت } يتجاوزون حدود الله بالصيد يوم السبت ، و{ إذ } ظرف ل { كانت } أو { حاضرة } أو للمضاف المحذوف أو بدل منه بدل اشتمال . { إذ تأتيهم حيتانهم } ظرف ل { يعدون } أو بدل بعد بدل . وقرئ { يعدون } وأصله يعتدون ويعدون من الإعداد أي يعدون آلات الصيد يوم السبت ، وقد نهوا أن يشتغلوا فيه بغير العبادة . { يوم سبتهم شرعا } يوم تعظيمهم أمر السبت مصدر سبتت اليهود إذا عظمت سبتها بالتجرد للعبادة . وقيل اسم لليوم والإضافة لاختصاصهم بإحكام فيه ، ويؤيد الأول إن قرئ يوم إسباتهم ، وقوله : { ويوم لا يسبتون لا تأتيهم } وقرئ { لا يسبتون } من أسبت و{ لا يسبتون } على البناء للمفعول بمعنى لا يدخلون في السبت ، و{ شرعا } حال من الحيتان ومعناه ظاهرة على وجه الماء من شرع علينا إذا دنا وأشرف . { كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون } مثل ذلك البلاء الشديد نبلوهم بسبب فسقهم . وقيل كذلك متصل بما قبله أي لا تأتيهم مثل إتيانهم يوم السبت ، والباء متعلق ب { يعدون } .
وقوله تعالى : { واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر } الآية ، قال بعض المتأولين : إن اليهود المعارضين لمحمد صلى الله عليه وسلم قالوا إن بني إسرائيل لم يكن فيهم عصيان ولا معاندة لما أمروا به فنزلت هذه الآية موبخة لهم ومقررة ما كان من فعل أهل هذه القرية ، فسؤالهم إنما كان على جهة التوبيخ و { القرية } هنا مدين قاله ابن عباس ، وقيل أيلة ، قاله ابن عباس وعبد الله بن كثير وعكرمة والسدي والثوري ، وقال قتادة هي مْقنا بالقاف ساكنة ، وقال ابن زيد هي مقناة ساحل مدين ، ويقال فيها مغنى بالغين مفتوحة ونون مشددة ، وقيل هي طبرية قاله الزهري ، و { حاضرة } يحتمل أن يريد معنى الحضور أي البحر فيها حاضر ، ويحتمل أن يريد معنى الحضارة على جهة التعظيم لها أي هي الحاضرة في مدن البحر ، و { إذ يعدون } معناه يخالفون الشرع من عدا يعدو ، وقرأ شهر بن حوشب وأبو نهيك » يعَدُّون « ، قال أبو الفتح أراد يعتدون فأسكن التاء ليدغمها في الدال ونقل فتحها إلى العين فصار » يعَدُّون «بفتح العين وشد الدال المضمومة ، والاعتداء منهم في السبت هو نفس العمل والاشتغال كان صيداً أو غيره إلا أنه كان في هذه النازلة بالصيد وكان الله عز وجل ابتلاهم في أمر الحوت بأن يغيب عنهم سائر الجمعة فإذا كان يوم السبت جاءهم في الماء شارعاً أي مقبلاً إليهم مصطفاً كما تقول أشرعت الرماح إذا مدت مصطفة ، وهذا يمكن أن يقع من الحوت بإرسال من الله كإرسال السحاب أو بوحي وإلهام كالوحي إلى النحل أو بإشعار في ذلك اليوم على نحو ما يشعر الله الدواب يوم الجمعة بأمر الساعة حسبما يقتضيه قول النبي صلى الله عليه وسلم : » ما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة حتى تطلع الشمس فرقاً من الساعة « ، ويحتمل أن يكون ذلك من الحوت شعوراً بالسلامة في ذلك اليوم على نحو شعور حمام الحرم بالسلامة .
قال رواة هذا القصص : فيقرب الحوت ويكثر حتى يمكن أخذه باليد فإذا كان ليلة الأحد غاب بجملته وقيل غابت كثرته ولم يبق منه إلا القليل الذي يتعب صيده ، قاله قتادة ففتنهم ذلك وأضر بهم فتطرقوا إلى المعصية بأن حفروا حفراً يخرج إليها ماء البحر على أخدود فإذا جاء الحوت يوم السبت وحصل في الحفرة ألقوا في الأخدود حجراً فمنعوه الخروج إلى البحر فإذا كان الأحد أخذوه فكان هذا أول التطرق .
وروى أشهب عن مالك قال : زعم ابن رومان أنهم كانوا يأخذ الرجل خيطاً ويصنع فيه وهقة وألقاها في ذنب الحوت ، وفي الطرف الآخر من الخيط وتد مضروب ، وتركه كذلك إلى الأحد ، ثم تطرق الناس حين رأوا من صنع هذا لا يبتلى كثر صيد الحوت ومشي به في الأسواق ، وأعلن الفسقة بصيده ، وقالوا : ذهبت حرمة السبت ، فقامت فرقة من بني إسرائيل ونهت وجاهرت بالنهي واعتزلت ، والعامل في قوله : { ويوم لا يسبتون } قوله : { لا تأتيهم } وهو ظرف مقدم ، وقرأ عمر بن عبد العزيز «حيتانهم يوم أسباتهم » ، وقرأ نافع وأبو عمرو والحسن وأبو جعفر والناس «يسبِتون » بكسر الباء ، وقرأ عيسى بن عمر وعاصم بخلاف «يسبتُون » بضمها ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن وعاصم بخلاف «يُسبتون » من أسبت إذا دَخل في السبت ، ومعنى قوله : { كذلك } الإشارة إلى أمر الحوت وفتنتهم به ، هذا على من وقف على { تأتيهم } ومن وقف على { كذلك } فالإشارة إلى كثرة الحيتان شرعاً ، أي فما أتى منها فهو قليل ، و { نبلوهم } أي نمتحنهم لفسقهم وعصيانهم .
قال القاضي أبو محمد : وفي قصص هذه الآية رواية وتطويل اختصرته واقتصرت منه على ما لا تفهم ألفاظ الآية إلا به .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.