الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَسۡـَٔلۡهُمۡ عَنِ ٱلۡقَرۡيَةِ ٱلَّتِي كَانَتۡ حَاضِرَةَ ٱلۡبَحۡرِ إِذۡ يَعۡدُونَ فِي ٱلسَّبۡتِ إِذۡ تَأۡتِيهِمۡ حِيتَانُهُمۡ يَوۡمَ سَبۡتِهِمۡ شُرَّعٗا وَيَوۡمَ لَا يَسۡبِتُونَ لَا تَأۡتِيهِمۡۚ كَذَٰلِكَ نَبۡلُوهُم بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ} (163)

قوله{[25727]} : { وسئلهم{[25728]}عن القرية ( التي كانت حاضرة البحر ){[25729]} ، إلى قوله : { لعلهم يتقون }[ 163 ، 164 ] .

قوله : { إذ يعدون }[ 163 ] .

{ إذ } : في موضع نصب بالسؤال ، أي : واسألهم عن وقت عدوانهم{[25730]} .

{ ويوم لا يسبتون }[ 163 ] .

أضيف الظرف عند سيبويه لكثرة الاستعمال{[25731]} .

وهو عند المبرد مضاف إلى المصدر محمول على المعنى{[25732]} .

وهو عند الزجاج على الحكاية{[25733]} .

والعامل في الظرف الفعل الذي بعده{[25734]} .

ومعنى الآية : واسأل ، يا محمد ، هؤلاء اليهود الذين{[25735]} يجاورنك ، عن أمر { القرية التي كانت حاضرة البحر }[ 163 ] .

أي : بقربه{[25736]}/وشاطئه{[25737]} .

قال الكلبي : ذكر لنا أنهم كانوا في زمن داود ، ( عليه السلام{[25738]} ) ، وهي : أيلة{[25739]} ، وهو مكان كان تجتمع فيه الحيتان في شهر من السنة كهيئة العيد{[25740]} ، يأتيهم منها حتى لا يرى{[25741]} الماء ، وتأتيهم في غير ذلك من الشهور في كل سبت{[25742]} كما تأتيهم{[25743]} في ذلك الشهر ، فلا يمسوا منها شيئا . فعمد رجال من سفهاء تلك القرية ، فأخذوا الحيتان ليلة السبت ويوم السبت ، فملحوا وباعوا ، ولم ينزل بهم عقوبة ، فاستبشروا ، وقالوا : إنا نرى السبت قد حُلَّ ، وذهبت حرمته ، إنما كان يعاقب به آباؤنا ، فعملوا ذلك سنين ، حتى أثروا ، وتزوجوا النساء ، واتخذوا الأموال . فمشى إليهم طوائف صالحون فوعظوهم ، وقالوا : يا قوم ، انتهكتم حرمة سبتكم ، ووعظوهم فلم يتعظوا{[25744]} .

وسؤاله ، ( صلى الله عليه وسلم ) ، إياهم إنما كان على جهة التقرير{[25745]} لهم والتبكيت ، ويذكرهم بقديم كفرهم وفسقهم ، وقد كان الله ( عز وجل{[25746]} ) ، أعلمه بأمر القرية{[25747]} .

قال ابن عباس ، وعكرمة هي : " أيلة " ، وكان ذلك في زمن داود ، ( عليه السلام{[25748]} ) ، وكذلك قال السدي ، وغيره{[25749]} .

وقال قتادة : هي ساحل مدين{[25750]} .

[ قال ابن زيد : هي قرية{[25751]} ] يقال لها " مقنا " {[25752]} ، بين مدين وعَيْنُوناً{[25753]} .

وقال ابن شهاب{[25754]} : هي : طبرية{[25755]} .

وعن ابن عباس أيضا : أنها مدين{[25756]} .

وأما قوله : { واضرب لهم مثلا أصحاب القرية{[25757]} } ، فأكثرهم على أنها أنطاكية{[25758]} .

ومعنى : { إذ يعدون[ في السبت ]{[25759]} }[ 163 ] .

أي : [ إذ{[25760]} ] يعتدون إلى ما حرم الله ( عز وجل{[25761]} )

[ و " العدوان " : التجاوز إلى ما حرم الله ]{[25762]} .

وكان الله تعالى ذكره ، قد حرم عليهم السبت ، فكانت الحيتان تقل في سائر الأيام ، وتكثر في يوم السبت . ابتلاهم الله ( تعالى{[25763]} ) ، بذلك فاصطادوا{[25764]} فيه وتركوا ما حرم الله عليهم ، فتجاوزوا الحق ، فكانت تأتيهم يوم سبتهم ، { شرعا }[ 163 ] .

أي : ظاهرة على الماء{[25765]} .

وقال ابن عباس { شرعا } : من كل مكان{[25766]} .

يقال : سبت يسبت : إذا استراح{[25767]} .

وقرأ الحسن : " ويوم لا يُسبتون " ، بضم الياء ، من " أسبت القوم " ، إذا دخلوا في السبت{[25768]} .

وروي ذلك عن{[25769]} أبي بكر عن عاصم{[25770]} ، كما يقال : " أهللنا " ، دخلنا في الهلال ، و " أجمعنا " مرت{[25771]} بنا جمعة{[25772]} .

{ كذلك نبلوهم }[ 163 ] .

أي : نختبرهم{[25773]} .

قال قتادة : ذُكِر لنا أنه دُخِل على ابن عباس ، وبين يديه المصحف ، وهو يبكي ، وقد أتى على هذه الآية : { فلما نسوا ما ذكروا به }[ 165 ] ، الآية . فقال : قد علمت أن الله تعالى{[25774]} ، أهلك الذين أخذوا الحيتان ، ونجى الذين نهوهم ، ولا أدري ما الذي صنع بالذين لم ينهوا ، ولم يواقعوا المعصية{[25775]} .

قال الحسن : وأي نهي يكون أبين من أنهم أثبتوا لهم الوعيد ، وخوفوهم{[25776]} العذاب ،


[25727]:في "ج": قو، وهو سهو ناسخ.
[25728]:وَسَئْلُهُمْ، لحق في "ج".
[25729]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[25730]:مشكل إعراب القرآن 1/304، بلفظ: "العامل في {إذ}: سل. تقديره: سلهم عن وقت عدوهم في السبت"، ومعاني القرآن للزجاج 2/384، والبيان في غريب إعراب القرآن 1/376. وهو سؤال توبيخ وتقرير، كما في غريب القرآن للنحاس 2/157، وتفسير القرطبي 7/194 وفي "ر": عدوانهم، وهو سهو ناسخ.
[25731]:انظر: إعراب القرآن للنحاس 2/157.
[25732]:المصدر نفسه.
[25733]:المصدر نفسه. وتمام نصه: "أي: يوم يقال هذا".
[25734]:أي: العامل في: {يوم لا يسبتون}، قوله: {لا تاتيهم}، أي: لا تأتيهم يوم لا يسبتون. جامع البيان 13/184، والمحرر الوجيز 2/468، والبحر المحيط 4/408، والدر المصون 3/360.
[25735]:في "ر": الذي.
[25736]:في "ر": أي بقرية وشاطبة، وهو تصحيف ليس بشيء.
[25737]:جامع البيان 13/179.
[25738]:ما بين الهلالين ساقط من "ج". وفي "ر" رمز صم صلى الله عليه وسلم.
[25739]:كذا في المخطوطات الثلاث. وفي تفسير هود بن محكم الهواري 2/53، "وقال الكلبي: هي أيلة،...، وذلك في زمان داود، عليه السلام". وفي تفسير القرطبي 7/194، :"وروي في قصص هذه الآية أنها كانت في زمن داود، عليه السلام". وأيلة، بالفتح،: مدينة على ساحب بحر القلزم، مما يلي الشام. انظر: معجم البلدان/أيلة، 1/292.
[25740]:في "ر": القيد.
[25741]:في "ر": ترى.
[25742]:في "ر": سنة.
[25743]:في "ج" و"ر" يأتيهم.
[25744]:تفسير هود بن محكم الهواري 2/53، 54. باختلاف في بعض ألفاظه، واختصار بعض مقاطعه. والغالب على الظن أن أبا محمد هاهنا، اعتمد تفسير يحيى بن سلام البصري (ت200هـ) الذي استخلصه الشيخ هود في تفسيره. انظر: مقدمة محققه.
[25745]:في "ج": التقريع.
[25746]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[25747]:انظر معاني القرآن للزجاج 2/384، وزاد المسير 3/276، وتفسير القرطبي 7/194.
[25748]:ما بين الهلالين ساقط من "ج". وفي "ر"، طمس بفعل الأرضة والرطوبة.
[25749]:جامع البيان 13/180، وتفسير الماوردي 2/271، والمحرر الوجيز 2/467، وتفسير القرطبي 7/194، والبحر المحيط 4/407.
[25750]:تفسير الماوردي 2/271، وزاد المسير 3/276، والبحر المحيط 4/407.
[25751]:تكملة لازمة من جامع البيان. الذي ينقل عنه مكي.
[25752]:في الأصل،: مقتا، بتاء مثناة من فوق، وهو تصحيف. ومقنا: قرب أيلة. انظر: معجم البلدان/مقنا.
[25753]:في الأصل: وعيانا، وهو تحريف. وعينونا من قرى بيت المقدس. انظر: معجم البلدان/عين. وفي المخطوطات الثلاث: وقال قتادة: هي ساحل مدين بين مدين وعينونا يقال لها مقنا. وفيه: تقديم وتأخير، وسقط، أصلحته وأكملته من جامع البيان 13/181، الذي نقل عنه مكي، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1598، وتفسير الماوردي 2/271، وزاد المسير 3/276، وتفسير ابن كثير 2/257، والدر المنثور 3/587.
[25754]:هو: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، أبو بكر، الحافظ المدني، عالم الحجاز والشام. توفي سنة 125هـ. انظر: تهذيب التهذيب 3/696، وما بعدها، وتقريب التهذيب 440.
[25755]:تفسير ابن أبي حاتم 5/1597، وتفسير الماوردي 2/272، وتفسير البغوي 3/293، وزاد المسير 3/276، والمحرر الوجيز 2/467، وتفسير القرطبي 7/194، والدر المنثور 3/587. وطبرية، بفتح أوله وثانيه،: بلدة من الشام. انظر: معجم البلدان /طبرية.
[25756]:جامع البيان 13/182، وتفسير ابن أبي حاتم 8/1597، بلفظ: هي قرية بين "أيلة والطور"، يقال لها: "مدين". وقال الطبري، معقبا على الآثار التي أوردها بشأن القرية،: "والصواب من القول في ذلك أن يقال: هي قرية حاضرة البحر،...، ولا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقطع العذر بأي ذلك من أي، والاختلاف فيه على ما وصفت...".
[25757]:يس: 12، وتمامها: {إذ جاءها المرسلون}.
[25758]:وهو قول قتادة، وعكرمة في جامع البيان 12/186، وزاد المسير 7/10. وينظر: تفسير ابن كثير 3/566.
[25759]:زيادة من "ج".
[25760]:زيادة من "ر".
[25761]:ما بين الهلالين ساقط من ج. وفي "ر": سبحانه.
[25762]:زيادة من "ج" و"ر". ولفظ "إلى" سقط من ج. وفي "ر": زيادة: عز وجل انظر جامع البيان 13/182.
[25763]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[25764]:في الأصل: اصطودوا، وهو تحريف.
[25765]:وهو قول ابن عباس كما في جامع البيان 13/183، وتفسير الماوردي 2/272، وفيه: "ومنه: شوارع البلد لظهورها"، وتفسير ابن كثير 2/257، والدر المنثور 3/587.
[25766]:جامع البيان 13/183، وتفسير ابن كثير 2/257، والدر المنثور 3/587. ينظر: تفسير القرطبي 7/194.
[25767]:إعراب القرآن للنحاس 2/157، وتمامه: "أو عَمِلَ عمل السبت". ينظر: جامع البيان 13/184، وتفسير القرطبي 7/194.
[25768]:جامع البيان 13/184، والمحرر الوجيز 2/468، وزاد المسير 3/277، وتفسير القرطبي 7/194، والقراءات الشاذة لعبد الفتاح القاضي 49. وانظر: المختصر في شواذ القرآن 52.
[25769]:في الأصل،: تحرفت عن، إلى: قر وليس بشيء.
[25770]:المختصر في شواذ القرآن 52، والمحرر الوجيز 2/468، وزاد المسير 3/277.
[25771]:في "ج": مر.
[25772]:جامع البيان 13/184، بتصرف يسير. وانظر: معاني القرآن للفراء 1/398، وتفسير القرطبي 7/194.
[25773]:انظر: جامع البيان 13/183.
[25774]:ما بين الهلالين ساقط من "ج".
[25775]:تفسير هود بن محكم الهواري 2/55، من غير عزو، بلفظ: "ذكروا أنه دُخِل على ابن عباس،...". والأثر أخرجه الطبري، في جامع البيان 13/188، 190، بسنده عن عكرمة، بألفاظ مختلفة، وتفصيل أكثر.
[25776]:في الأصل: وخوفهم، ولا يستقيم به المعنى.