جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{وَسۡـَٔلۡهُمۡ عَنِ ٱلۡقَرۡيَةِ ٱلَّتِي كَانَتۡ حَاضِرَةَ ٱلۡبَحۡرِ إِذۡ يَعۡدُونَ فِي ٱلسَّبۡتِ إِذۡ تَأۡتِيهِمۡ حِيتَانُهُمۡ يَوۡمَ سَبۡتِهِمۡ شُرَّعٗا وَيَوۡمَ لَا يَسۡبِتُونَ لَا تَأۡتِيهِمۡۚ كَذَٰلِكَ نَبۡلُوهُم بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ} (163)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } . .

يقول تعالى ذكره : واسأل يا محمد هؤلاء اليهود وهم مجاوروك ، عن أمر القرية التي كانت حاضرة البحر ، يقول : كانت بحضرة البحر أي بقرب البحر وعلى شاطئه .

واختلف أهل التأويل فيها ، فقال بعضهم : هي أيلة . ذكر من قال ذلك .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن محمد بن إسحاق ، عن داود بن حصين ، عن عكرمة عن ابن عباس : وَاسْئَلْهُمْ عَنِ القَرْيَةِ التي كانَتْ حاضِرَةَ البَحْرِ قال : هي قرية يقال لها أيلة ، بين مدين والطور .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير ، في قوله : وَاسْئَلْهُمْ عَنِ القَرْيَةِ التي كانَتْ حاضِرَةَ البَحْرِ قال : سمعنا أنها أيلة .

حدثني سلام بن سالم الخزاعيّ ، قال : حدثنا يحيى بن سليم الطائفيّ ، قال : حدثنا ابن جريج ، عن عكرمة ، قال : دخلت على ابن عباس والمصحف في حجره ، وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك جعلني الله فداك ؟ فقال : ويلك ، وتعرف القرية التي كانت حاضرة البحر ؟ فقلت : تلك أيلة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أبي بكر الهذليّ ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : وَاسْئَلْهُمْ عَنِ القَرْيَةِ التي كانَتْ حاضِرَةَ قال : هي أيلة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قال : هي قرية على شاطىء البحر بين مصر والمدينة يقال لها أيلة .

حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : هم أهل أيلة ، القرية التي كانت حاضرة البحر .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا أبو سعد ، عن مجاهد ، في قوله : وَاسْئَلْهُمْ عَنِ القَرْيَةِ التي كانَتْ حاضِرَةَ البَحْرِ قال أيلة .

وقال آخرون : معناه : ساحل مدين .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَاسْئَلْهُمْ عَنِ القَرْيَةِ التي كانَتْ حاضِرَةَ البَحْرِ . . . الاَية ، ذكر لنا أنها كانت قرية على ساحل البحر يقال لها أيلة .

وقال آخرون : هي مقنا . ذكر من قال ذلك .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن يزيد ، في قوله : وَاسْئَلْهُمْ عَنِ القَرْيَةِ التي كانَتْ حاضِرَةَ البَحْرِ قال : هي قرية يقال لها مقنا بين مدين وعينونَى .

وقال آخرون : هي مدين . ذكر من قال ذلك .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني محمد بن إسحاق ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : هي قرية بين أيلة والطور يقال لها مدين .

والصواب من القول في ذلك أن يقال : هي قرية حاضرة البحر ، وجائز أن يكون أيلة ، وجائز أن تكون مدين ، وجائز أن تكون مقنا لأن كلّ ذلك حاضرة البحر . ولا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع العذر بأن ذلك من أيّ ، والاختلاف فيه على ما وصفت ، ولا يوصل إلى علم ما قد كان فمضى مما لم نعاينه ، إلاّ بخبر يوجب العلم ولا خبر كذلك في ذلك .

وقوله : إذْ يَعْدُونَ في السّبْتِ يعني به أهله : إذ يعتدون في السبت أمر الله ، ويتجاوزونه إلى ما حرّمه الله عليهم ، يقال منه : عدا فلان أمرى واعتدى : إذا تجاوزه . وكان اعتداؤهم في السبت أن الله كان حرّم عليهم السبت ، فكانوا يصطادون فيه السمك . إذْ تَأتِيهِمْ حيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرّعا : يقول : إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم الذي نهوا فيه عن العمل شرّعا ، يقول : شارعة ظاهرة على الماء من كلّ طريق وناحية كشوارع الطوق . كالذي :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعد ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك عن ابن عباس : إذْ تأتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرّعا يقول : ظاهرة على الماء .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس شُرّعا يقول : من كلّ مكان .

وقوله : وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ يقول : ويوم لا يعظمونه تعظيمهم السبت ، وذلك سائر الأيام غير يوم السبت ، لا تأتيهم الحيتان . كذلكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كانُوا يَفْسُقُونَ يقول : كما وصفنا لكم من الاختبار والابتلاء الذي ذكرنا بإظهار السمك لهم على ظهر الماء في اليوم المحرّم عليهم صيده ، وإخفائها عنه في اليوم المحلل صيده ، كذلك نبلوهم ونختبرهم بما كَانُوا يَفْسُقُونَ يقول : بفسقهم عن طاعة الله وخروجهم عنها .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ فقُرىء بفتح الياء من «يسبتون » من قول القائل : سَبَتَ فلان يَسْبِتُ سَبْتا وسُبُوتا : إذا عظّم السبت . وذُكر عن الحسن البصري أنه كان يقرؤه : «وَيَوْمَ لا يُسْبِتُونَ » بضم الياء ، من أسْبَتَ القوم يسبتون : إذا دخلوا في السبت ، كما يقال : أجمعنا مرّت بنا جمعة ، وأشهرنا مرّ بنا شهر ، وأسبتنا مرّ بنا سبت . ونصب «يوم » من قوله : وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ بقوله : لا تَأتِيهِمْ ، لأن معنى الكلام : لا تأتيهم يوم لا يسبتون .