محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَسۡـَٔلۡهُمۡ عَنِ ٱلۡقَرۡيَةِ ٱلَّتِي كَانَتۡ حَاضِرَةَ ٱلۡبَحۡرِ إِذۡ يَعۡدُونَ فِي ٱلسَّبۡتِ إِذۡ تَأۡتِيهِمۡ حِيتَانُهُمۡ يَوۡمَ سَبۡتِهِمۡ شُرَّعٗا وَيَوۡمَ لَا يَسۡبِتُونَ لَا تَأۡتِيهِمۡۚ كَذَٰلِكَ نَبۡلُوهُم بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ} (163)

{ وسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شُرَّعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون ( 163 ) } .

{ وسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شُرَّعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون } هذا السياق هو بسط لقوله تعالى : { ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين }{[4229]} . فقوله تعالى : { وسألهم } عطف على ( اذكر ) المقدر عند قوله { وإذ قيل } أي واسأل اليهود المعاصرين لك ، سؤال تقريع وتقرير ، بقديم كفرهم وتجاوزهم حدود الله ، وإعلاما بأن هذا من علومهم التي لا تعلم إلا بكتاب أو وحي ، فإذا أعلمهم به من لم يقرأ كتابهم ، علم أنه من جهة الوحي .

وقال ابن كثير : واسأل هؤلاء اليهود بحضرتك عن قصة أصحابهم الذين خالفوا أمر الله ، ففجأتهم نقمته على صنيعهم واعتدائهم واحتيالهم في المخالفة ، وحذّر هؤلاء من كتمان صفتك التي يجدونها في كتبهم ، لئلا يحل بهم ما حل بإخوانهم وسلفهم .

و ( هذه القرية ) هي أيلة ، بين مدين والطور ، وقيل هي متنا ، بين مدين وعينونا . ومعنى كونها { حاضرة البحر } أنها قريبة منه ، راكبة لشاطئه .

/ وقوله تعالى : { إذ يعدون في السبت } أي يتجاوزون حد الله فيه ، وهو اصطيادهم في يوم السبت ، وقد نهوا عنه ، فقد أخذت عليهم العهود والمواثيق أن يحفظوا السبوت من عمل ما .

و ( الحيتان ) السمك ، وأكثر ما تستعمل العرب الحوت ، في معنى السمكة .

و ( شُرَّعا } جمع شارع ، من ( شرع ) بمعنى دنا . يقال : شرع علينا فلان ، إذا دنا منا ، وأشرف علينا . وشرعت على فلان في بيته ، فرأيته يفعل كذا ، وهو حال من { حيتانهم } أي تأتيهم يوم سبتهم ظاهرة على وجه الماء ، قريبة من الساحل ، ويوم لا يسبتون لا تأتيهم أصلا إلى السبت المقبل .

قرئ { يسبتون } ثلاثيا ، ومزيدا فيه ، من ( أسبت ) معلوما ومجهولا أيضا ، بمعنى لا يدخلون في السبت ، ولا يدار عليهم .

وقوله تعالى : { كذلك نبلوهم } أي مثل ذلك البلاء العجيب الفظيع ، نختبرهم بإظهار السمك لهم على ظهر الماء ، في اليوم المحرم عليهم صيده ، وإخفائه عنهم في اليوم الحلال لهم صيده ، أي نعاملهم معاملة من يختبرهم ، بسبب فسقهم ، فيظهر عدوانهم ، فيستحقون المؤاخذة .


[4229]:- [2/ البقرة/ 65].