التفسير الصحيح لبشير ياسين - بشير ياسين  
{إِذۡ تَمۡشِيٓ أُخۡتُكَ فَتَقُولُ هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ مَن يَكۡفُلُهُۥۖ فَرَجَعۡنَٰكَ إِلَىٰٓ أُمِّكَ كَيۡ تَقَرَّ عَيۡنُهَا وَلَا تَحۡزَنَۚ وَقَتَلۡتَ نَفۡسٗا فَنَجَّيۡنَٰكَ مِنَ ٱلۡغَمِّ وَفَتَنَّـٰكَ فُتُونٗاۚ فَلَبِثۡتَ سِنِينَ فِيٓ أَهۡلِ مَدۡيَنَ ثُمَّ جِئۡتَ عَلَىٰ قَدَرٖ يَٰمُوسَىٰ} (40)

قال الشيخ الشنقيطي : هذا الذي ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من كون أخته مشت إليهم وقالت لهم { هل أدلكم على من يكفله } أوضحه جل وعلا في سورة القصص فبين أن أخته المذكورة مرسلة من أمها لتتعرف خبره بعد ذهابه في البحر وأنها أبصرته من بعد وهم لا يشعرون بذلك وأن الله حرم عليه المراضع غير أمه تحريما قدريا كونيا فقالت لهم أخته : { هل أدلكم على من يكفله } أي على مرضع يقبل هو ثديها وتكفله لكم بنصح وأمانة وذلك في قوله تعالى { وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون } فقوله تعالى في آية القصص هذه { وقالت لأخته } أي قالت أم موسى لأخته وهي ابنتها { قصيه } أي : اتبعي أثره وتطلبي خبره حتى تطلعي على حقيقة أمره .

قوله تعالى { وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى }

قال مسلم : حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان وواصل بن عبد الأعلى وأحمد بن عمر الوكيعي -واللفظ لابن أبان- قالوا : حدثنا ابن فضيل عن أبيه . قال سمعت سالم بن عبد الله بن عمرو يقول : يا أهل العراق ما أسألكم عن الصغيرة ، وأركبكم للكبيرة سمعت أُبي ، عبد الله بن عمر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الفتنة تجيء من هاهنا " وأومأ بيده نحو المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان " وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض . وإنما قتل موسى الذي قتل ، من آل فرعون ، خطأ فقال الله عز وجل له { وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتنّاك فتونا } . قال أحمد بن عمر في روايته عن سالم : لم يقل : سمعتُ .

( صحيح مسلم 3/2229- 2230- ك الفتن وأشراط الساعة ، ب الفتنة في المشرق من حيث طلع قرنا الشيطان ) .

قال الشيخ الشنقيطي : قوله تعالى { وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا } لم يبين هنا جل وعلا في هذه الآية الكريمة سبب قتله لهذه النفس ولا ممن هي ولم يبين السبب الذي نجاه به من ذلك الغم ولا الفتون الذي فتنه ولكنه بين في سورة القصص خبر القتيل المذكور في قوله تعالى { ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال : هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين . قال : { رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم } وأشار إلى القتيل المذكور في قوله : { قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون } وهو المراد بالذنب في قوله تعالى عن موسى { فأرسل إلى هارون ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون } وهو مراد فرعون بقوله لموسى فيما ذكره الله عنه { وفعلت فعلتك التي فعلت } الآية .

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد { فنجيناك من الغم } قال : من غم قتل النفس .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله { وفتناك فتونا } ، يقول : اختبرناك اختبارا .

قال الشيخ الشنقيطي : قوله تعالى { فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى } السنين التي لبثها في مدين هي المذكورة في قوله تعالى { قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك } .

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال : { على قدر يا موسى } قال : على موعد .

أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله : { على قدر يا موسى } قال : على قدر الرسالة والنبوة .