تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِذۡ تَمۡشِيٓ أُخۡتُكَ فَتَقُولُ هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ مَن يَكۡفُلُهُۥۖ فَرَجَعۡنَٰكَ إِلَىٰٓ أُمِّكَ كَيۡ تَقَرَّ عَيۡنُهَا وَلَا تَحۡزَنَۚ وَقَتَلۡتَ نَفۡسٗا فَنَجَّيۡنَٰكَ مِنَ ٱلۡغَمِّ وَفَتَنَّـٰكَ فُتُونٗاۚ فَلَبِثۡتَ سِنِينَ فِيٓ أَهۡلِ مَدۡيَنَ ثُمَّ جِئۡتَ عَلَىٰ قَدَرٖ يَٰمُوسَىٰ} (40)

الآية 40 : وقوله تعالى : { إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله } أي من يضمه [ ومنه ] {[12246]} يسمى كافل اليتيم الذي يضمه ، ويحفظه . وهو كقوله : { أيهم يكفل مريم } [ آل عمران : 44 ] أي يضمها ، ويحفظها . فهذا يدل أنه كان عندهم من أحب [ الناس إليهم ] {[12247]} أشفقهم عليه [ حين قالت ] {[12248]} { هل أدلكم على من يكفله } والله أعلم .

وقوله تعالى : { فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها } حين{[12249]} قال لها : { إنا رادوه إليك } [ القصص : 7 ] وعدها{[12250]} أن يرده إليها ، فرده .

وقوله تعالى : { كي تقر عينها ولا تحزن } أي يذهب حزنها الذي كان ، لأنها كانت حزينة بطرحها إياه في اليم . ألا ترى أنه قال : { إن كادت لتبدي به } الآية ؟ [ القصص : 10 ] هذا يدل أن قوله : { ولا تحزن } أي يذهب حزنها الذي كان لها .

وقوله تعالى : { وقتلت نفسا فنجيناك من الغم } يحتمل أن يكون الغم الذي أخبر أنه نجاه منه هو الخوف الذي كان به بقتل ذلك القبطي حين{[12251]} قال : { فأخاف أن يقتلون } [ الشعراء : 14 والقصص : 33 ] وقال{[12252]} : { فخرج منها خائفا يترقب } [ القصص : 21 ] ونحوه . أو نجاه من أنواع الغموم إذ كان له غموم .

وفي الآية دلالة أن لا قصاص يجب في شبيه العمد ، وإن كان الضرب بشيء لا نجاة فيه ، لأن موسى عليه السلام كانت له قوة أربعين نفرا على ما ذُكر . فإنما لطمه لطمة { فقضى عليه } ثم قوله{[12253]} : { هذا من عمل الشيطان } [ القصص : 15 ] هذا يدل أنه كان لا يحل له قتله . ثم قوله{[12254]} : { فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين } [ القصص : 21 ] سماهم ظلمة . فلو كان يحل القتل ، ويجب القصاص ، لكان لا يسميهم ظلمة ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وفتناك فتونا } قال بعضهم : { فتونا } هو جمع فتنة ، أي فتناك فتونا ، هو مصدر الفتنة ، أي ابتليناك ابتلاء أي بلاء . والفتنة و الشدائد و الغموم التي ذكر أنه نجاه منها . و يحتمل النعم والخيرات ، إذ لم يكن الأنبياء في جميع الأوقات في البلاء . ولكن كانوا في وقت في بلاء وشدة ، وفي وقت آخر في نعمة وخير أو فتنة : بهما جميعا على ما أخبر : { ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون } [ الأنبياء : 35 ] .

وقوله تعالى : { فلبثت سنين في أهل مدين } هذا ، والله أعلم من المنة التي ذكر حين{[12255]} قال : { ولقد مننا عليك مرة أخرى } { ثم جئت على قدر يا موسى } قال بعضهم : بالنبوة والرسالة . وقال بعضهم على موعود أو { على قدر } وقت المجيء . فكيف ما كان ففيه أن مجيء العبد وذهابه وجميع سعيه يكون بقدر من الله وتقديره منه . وفيه أنه يجعل الأمور /331-أ/ بأسباب ، وإن كان يجعل {[12256]} بغير أسباب .


[12246]:ساقطة من الأصل وم.
[12247]:في الأصل وم: إليه الناس.
[12248]:في الأصل وم: حيث قال.
[12249]:في الأصل وم: حيث.
[12250]:في الأصل وم: وعدلها.
[12251]:في الأصل وم: حيث.
[12252]:في الأصل وم: وقوله.
[12253]:في الأصل وم: قال.
[12254]:في الأصل وم: قال.
[12255]:في الأصل وم: حيث.
[12256]:أدرج قبلها في الأصل: أن.