جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{إِذۡ تَمۡشِيٓ أُخۡتُكَ فَتَقُولُ هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ مَن يَكۡفُلُهُۥۖ فَرَجَعۡنَٰكَ إِلَىٰٓ أُمِّكَ كَيۡ تَقَرَّ عَيۡنُهَا وَلَا تَحۡزَنَۚ وَقَتَلۡتَ نَفۡسٗا فَنَجَّيۡنَٰكَ مِنَ ٱلۡغَمِّ وَفَتَنَّـٰكَ فُتُونٗاۚ فَلَبِثۡتَ سِنِينَ فِيٓ أَهۡلِ مَدۡيَنَ ثُمَّ جِئۡتَ عَلَىٰ قَدَرٖ يَٰمُوسَىٰ} (40)

{ إِذْ تَمْشِي } ظرف لألقيت أو لتصنع بدل من إذ أوحينا على أن المراد به وقت متسع { أُخْتُكَ } : مريم { فَتَقُولُ } : حين ألقاه النيل إلى الساحل وأخذه فرعون وأحبه وكان لا يقبل ثدي أحد من المراضع كما قال تعالى : " وحرمنا عليه المراضع من قبل " ( القصص : 12 ) . { هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ } : فجاءت بأمك فقبلت ثديها . { فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا } : بلقياك وقد مر اشتقاقه في سورة مريم { وَلا تَحْزَنَ } : هي بفراقك قيل أي : لا تحزن أنت على فراقها ، قد ذكر أن أمه اتخذت تابوتا ووضعته فيه ، فأرسلته في النيل وأمسكته بحبل ، وكانت ترضعه في الليالي ثم ترسله في النيل ، لأنه قد ولد في سنة أمر فرعون بقتل الغلمان المولود فيها ، فذهبت مرة لتربط الحبل فانفلت من يدها فذهب به البحر فاغتمت ، وذهب به النيل إلى دار فرعون فالتقطه آل فرعون { وَقَتَلْتَ نَفْسًا{[3154]} } أي : القبطي الذي استغاثه على الإسرائيلي { فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ } : بأن غفر الله لك ، وأمنك من القتل . { وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا{[3155]} } : ابتليناك ابتلاء أو جمع فتن يعني ضروبا من الفتنة ، وهي ما وقع عليه من الواقعات{[3156]} قبل النبوة { فَلَبِثْتَ } : مكثت { سِنِينَ } أي : عشر سنين { فِي أَهْلِ مَدْيَنَ } : منزل شعيب عليه السلام {[3157]} على ثمان مراحل من مصر . { ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ } : على رأس أربعين سنة وهو القدر{[3158]} الذي يوحى فيه الأنبياء أو قدر قدرته في علمي { يَا مُوسَى } .


[3154]:وكان عليه الصلاة و السلام ابن اثنتي عشر سنة و اغتم خوفا من الله و من اقتصاص فرعون /12 وجيز.
[3155]:أخرج الإمام النسائي في "تفسيره"، (2/41 ـ62) حديثا طويلا جدا يسمى بحديث الفتون أسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفا بسند صحيح، وانظر تفسير ابن كثير (3/149)، والدر المنثور للسيوطي (4/530).
[3156]:أولها: إن أمه حملته في السنة التي كان فرعون يذبح فيها الأطفال، ثم إلقاءه في البحر في التابوت، ثم منعه الرضاع إلا من ثدي أمه، ثم أخذه بلحية فرعون حتى هم بقتله، ثم تناوله الجمرة بدل الدرة، ثم قتله القبطي وخروجه إلى مدين خائفا، فكان ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ يقص على سعيد بن جبير ـ رضي الله عنه ـ نقله البغوي في تفسيره /12.
[3157]:في القطع بأن صالح مدين هو شعيب النبي عليه السلام نظر يأتي تحقيقه في تفسير سورة القصص.
[3158]:نقله البغوي عن عبد الرحمن بن كيسان، وقال هو معنى قول أكثر المفسرين /12.