نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{۞وَٱذۡكُرۡ أَخَا عَادٍ إِذۡ أَنذَرَ قَوۡمَهُۥ بِٱلۡأَحۡقَافِ وَقَدۡ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦٓ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيمٖ} (21)

ولما هددهم سبحانه بالأمور الأخروية ، وستر الأمر بالتذكير بها لكونها مستورة وهم بها يكذبون في قوله " ويوم " ، وختم بالعذاب على الاستكبار المذموم والفسق ، عطف عليه تهديهم بالأمور المحسوسة لأنهم متقيدون بها مصرحاً بالأمر بالذكر فقال تعالى : { واذكر } أي لهؤلاء الذين لا يتعظون بمحط الحكمة الذي{[58897]} لا يخفى على ذي-{[58898]} لب ، وهو البعث . ولما كان أقعد ما يهددون به في هذه السورة وأنسبه{[58899]} لمقصودها عاد لكونهم أقوى الناس أبداناً وأعتاهم رقاباً وأشدهم قلوباً وأوسعهم ملكاً وأعظمهم استكباراً بحيث{[58900]} كانوا يقولون { من أشد منا قوة } وبنوا البنيان الذي يفني الدهر ولا يفنى ، فلا يعمله إلا من نسي الموت أو{[58901]} رجا الخلود واصطنعوا{[58902]} جنة على وجه الأرض لأن ملكهم عمها كلها مع قرب بلادهم لكونها في بلاد العرب من قريش ومعرفتهم بأخبارهم ورؤيتهم لديارهم وكون عذابهم نشأ{[58903]} من بلدهم{[58904]} بدعاء من دعا منهم ، ذكر أمرهم على وجه دل على مقصود السورة ، وعبر بالأخوة تسلية لنبيه صلى الله عليه وسلم لأن فظيعة القوم لمن هو منهم ويعلمون مناقبه ومفاخره أنكأ فقال : { أخا عاد } وهو أخو{[58905]} هود عليه الصلاة والسلام الذي كان بين قوم{[58906]} لا يعشرهم قومك في قوة ولا مكنة ، وصدعهم{[58907]} مع ذلك بمر{[58908]} الحق وبادأهم بأمر الله ، لم يخف عاقبتهم ونجيته منهم ، فهو لك قدوة وفيه أسوة ، ولقومك في قصدهم إياك بالأذى من أمره موعظة .

ولما ذكره عليه الصلاة والسلام لمثل هذه المقاصد الجليلة ، أبدل منه قصته{[58909]} زيادة في البيان ، فقال مبيناً أن الإنذار{[58910]} هو المقصد الأعظم من الرسالة : { إذ } أي حين { أنذر قومه } أي الذين لهم قوة{[58911]} زائدة على القيام فيما يحاولونه { بالأحقاف } قال الأصبهاني : قال ابن عباس{[58912]} : واد بين عمان ومهرة ، قال : وقال مقاتل : كانت منازل عاد باليمن في حضرموت بموضع{[58913]} يقال له مهرة ، إليه ينسب الإبل المهرية ، وكانوا أهل عمد{[58914]} سيارة في الربيع ، فإذا هاج العود رجعوا إلى منازلهم ، وكانوا من قبيلة إرم{[58915]} .

وقال قتادة : كانوا مشرفين على البحر بأرض يقال لها الشجر ، والأحقاف جمع حقف بالكسر ، وهو رمل مستطيل مرتفع فيه انحناء ، وقال ابن زيد : هو ما استطال من الرمل كهيئة الجبل ولم يبلغ أن يكون جبلاً ، وقال في القاموس : وهو الرمل العظيم المستدير ، وأصل الرمل ، واحقوقف الرمل والظهر والهلال : طال واعوج . ومن الأمر الجلي أن هذه الهيئة لا تكون في بلاد الريح بها غالبة شديدة لأنه لو كان ذلك {[58916]}نسف الجبل{[58917]} نسفاً بخلاف بلاد الجبال كمكة المشرفة ، فإن الريح تكون بها غاية في الشدة لأنها إما أن تصك الجبل فتنعكس راجعة بقوة شديدة ، أو يكون هناك جبال فتراد بينها{[58918]} أو تنضغط فتخرج مما تجد {[58919]}من الفروج{[58920]} على هيئة مزعجة{[58921]} فينبغي أن يكون أهل الجبال أشد من ذلك حذراً{[58922]} .

ولما ذكر النذير والمنذرين ومكانهم لما ذكر من المقاصد ، ذكر أنهم أعرضوا عنه ولم يكن بدعاً{[58923]} من الرسل ولا كان قومه جاهلين بأحوالهم ، فاستحقوا العذاب تحذيراً من مثل حالهم ، فقال : { وقد } أي والحال أنه قد { خلت } أي مرت ومضت وماتت { النذر } أي الرسل الكثيرون الذين محط أمرهم الإنذار .

ولما لم يكن إرسالهم بالفعل مستغرقاً لجميع الأزمنة ، أدخل الجار فقال : { من بين يديه } أي قبله كنوح وشيث وآدم عليه الصلاة والسلام فما كان بدعاً منها { ومن خلفه } أي الذين أتوا من-{[58924]} بعده فما كنت أنت بدعاً منهم . ولما أشار إلى كثرة الرسل ، ذكر وحدتهم في أصل الدعاء ، فقال مفسراً للإنذار معبراً بالنهي : { ألا تعبدوا } أي أيها العباد المنذرون ، بوجه من الوجوه ، شيئاً من الأشياء { إلا الله } الملك الذي لا ملك غيره ولا خالق سواه ولا منعم إلا هو ، فإني أراكم تشركون به من لم يشركه في شيء من تدبيركم ، والملك لا يقر على مثل هذا .

ولما أمرهم ونهاهم ، علل ذلك فقال{[58925]} محذراً لهم من العذاب مؤكداً لما لهم من الإنكار لاعتمادهم على قوة أبدانهم وعظيم شأنهم : { إني أخاف عليكم } لكونكم قومي وأعز الناس علي { عذاب يوم عظيم * } {[58926]}لا يدع جهة إلا ملأها عذابه ، إن أصررتم على ما أنتم فيه من الشرك .


[58897]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: التي.
[58898]:زيد من ظ و م ومد.
[58899]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: الشبه.
[58900]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: حيث.
[58901]:من مد، وفي الأصل و ظ و م"و".
[58902]:في مد:اصطفوا.
[58903]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: ينشأ.
[58904]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: بلادهم.
[58905]:من ظ و م ومد، وفي الأصل:أخا.
[58906]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: قومهم.
[58907]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: صد عنهم.
[58908]:من ظ و م ومد، وفي الأصل:غير.
[58909]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: قصة.
[58910]:زيدت الواو في الأصل و ظ ولم تكن في م ومد فحذفناها.
[58911]:في الأصل بياض.
[58912]:راجع المعالم بهامش اللباب6/137.
[58913]:من م ومد والمعالم، وفي الأصل و ظ: في موضع.
[58914]:من م ومد والمعالم، وفي الأصل و ظ: عهد.
[58915]:من م ومد والمعالم، وفي الأصل و ظ: أدم.
[58916]:من مد، وفي الأصل: لسفته الريح، وفي ظ و م: نسفته للجبل.
[58917]:من مد، وفي الأصل: لسفته الريح، وفي ظ و م: نسفته للجبل.
[58918]:من ظ و م ومد، وفي الأصل:منها.
[58919]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: في العروج.
[58920]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: في العروج.
[58921]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: منزعجة.
[58922]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: حذارا.
[58923]:زيد في الأصل و ظ: أعرضوا عنه، ولم تكن الزيادة في م ومد فحذفناها.
[58924]:زيد من مد.
[58925]:زيد في الأصل:منها، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[58926]:زيد في الأصل: أي، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{۞وَٱذۡكُرۡ أَخَا عَادٍ إِذۡ أَنذَرَ قَوۡمَهُۥ بِٱلۡأَحۡقَافِ وَقَدۡ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦٓ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيمٖ} (21)

قوله تعالى : { واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم 21 قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين 22 قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكنني أراكم قوما تجهلون 23 فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم 24 تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين } .

ذلك تأنيس من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بسبب تكذيب المشركين له ، فيذكّره الله بالنبيين من قبله فقد أوذوا في سبيل الله ولاقوا من قومهم المشركين الأذية والعنت . وهو كذلك تحذير من الله لهؤلاء المشركين أن يحل بهم من العقاب ما حل بمن سبقهم من الظالمين كقوم عاد ، إذ كانوا موغلين في الشرك والطغيان وكانوا أشد قوة من هؤلاء المشركين . فقال سبحانه في ذلك : { واذكرإذ أنذر قومه بالأحقاف } أي واذكر لقومك المشركين يا محمد ، أخا عاد ، وهو نبي الله هود عليه الصلاة والسلام ، وقد كان أخاهم في النسب لا في الدين { إذ أنذر قومه بالأحقاف } والأحقاف جمع حقف وهو المعوج من الرمل . أو هو الكثيب المكسّر من الرمل غير الكبير وفيه اعوجاج{[4214]} والمراد بالأحقاف : ديار عاد . واختلفوا في موضعها . فقد قيل : واد بين عمان ومهرة . وقيل : واد بحضرموت من اليمن .

والمعنى : واذكر لهؤلاء المشركين قصة عاد ليعتبروا بها فيخشوا أن يحل بهم ما حل بعاد قوم هود فينقمعوا عن كفرهم وعصيانهم . أو أن يتذكر هو في نفسه قصة أخيه هود فيهون عليه تكذيب المشركين له . قوله : { وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه } { النذر } جمع نذير وهو المبلغ رسالة ربه إلى الناس ، أي وقد مضت الرسل من قبل هود ومن بعده { ألا تعبدوا إلا الله } فقد كانت وجيبة الرسل نحو قومهم أن يحذروهم أي إشراك في عبادة الله بل عليهم إخلاص العبادة لله وحده وإفراده بالإلهية والتوحيد فهو لا إله غيره ولا رب سواه .

قوله : { إني اخاف عليكم عذاب يوم عظيم } ذلك من قيل هود لقومه ، وهو : إني أخاف عليكم أيها القوم بسبب شرككم وعصيانكم أمر ربكم عذاب يوم يشتد فيه الهول وتعظم فيه البلايا والخطوب وهو يوم القيامة .


[4214]:مختار الصحاح ص 146 وتفسير الراي جت 28 ص 27.