البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞وَٱذۡكُرۡ أَخَا عَادٍ إِذۡ أَنذَرَ قَوۡمَهُۥ بِٱلۡأَحۡقَافِ وَقَدۡ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦٓ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيمٖ} (21)

الحقف : رمل مستطيل مرتفع فيه اعوجاج وانحناء ، ومنه احقوقف الشيء : اعوج .

قال امرؤ القيس :

فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى *** بنا بطن حقف ذي ركام عقنقل

ولما كان أهل مكة مستغرقين في لذات الدنيا ، معرضين عن الإيمان وما جاء به الرسول ، ذكرهم بما جرى للعرب الأولى ، وهم قوم عاد ، وكانوا أكثر أموالاً وأشد قوة وأعظم جاهاً فيهم ، فسلط عليهم العذاب بسبب كفرهم ، وضرب الأمثال .

وقصص من تقدم تعرف بقبح الشيء وتحسينه ، فقال لرسوله : واذكر لقومك ، أهل مكة ، هوداً عليه السلام ، { إذ أنذر قومه } عاداً عذبهم الله { بالأحقاف } .

قال ابن عباس : واد بين عمان ومهرة .

وقال ابن إسحاق : من عمان إلى حضرموت .

وقال ابن زيد : رمال مشرقة بالشحر من اليمن .

وقيل : بين مهرة وعدن .

وقال قتادة : هي بلاد الشحر المواصلة للبحر اليماني .

وقال ابن عباس : هي جبل بالشام .

قال ابن عطية : والصحيح أن بلاد عاد كانت باليمن ، ولهم كانت { إرم ذات العماد } وفي ذكر هذه القصة اعتبار لقريش وتسلية للرسول ، إذ كذبه قومه ، كما كذبت عاد هوداً عليه السلام .

والجملة من قوله : { وقد خلت النذر } : وهو جمع نذير ، { من بين يديه ومن خلفه } ، يحتمل أن تكون حالاً من الفاعل في : { النذر من بين يديه } ، وهم الرسل الذين تقدموا زمانه ، ومن خلفه الرسل الذين كانوا في زمانه ، ويكون على هذا معنى { ومن خلفه } : أي من بعد إنذاره ؛ ويحتمل أن يكون اعتراضاً بين إنذار قومه وأن لا تعبدوا .

والمعنى : وقد أنذر من تقدمه من الرسل ، ومن تأخر عنه مثل ذلك ، فاذكرهم .