نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{۞يَوۡمَ تَأۡتِي كُلُّ نَفۡسٖ تُجَٰدِلُ عَن نَّفۡسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (111)

ولما تقدم كثير من التحذير والتبشير ، وتقدم أنه لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون ، وختم ذلك بانحصار الخسار في الكفار ، بيَّن اليوم الذي تظهر فيه تلك الآثار ، ووصفه بغير الوصف المقدم باعتبار المواقف ، فقال تعالى مبدلاً من : { يوم نبعث من كل أمة شهيداً } ، { يوم تأتي } ، أي : فيه ، { كل نفس } ، أي : إنسان وإن عظم جرمها . { تجادل } ، أي : تعتذر ، وعبر بالمجادلة إفهاماً للدفع بأقصى ما تقدر عليه ، وأظهر في قوله : { عن نفسها } ، أي : ذاتها بمفردها لا يهمها غير ذلك ؛ لما يوهم الإضمار من أن كل أحد يجادل عن جميع الأنفس . ولما كان مطلق الجزاء مخوفاً مقلقاً ، بني للمفعول قوله : { وتوفَّى كل نفس } ، صالحة وغير صالحة ، { ما عملت } ، أي : جزاء من جنسه ، { وهم } ، ولما كان المرهوب مطلق الظلم ، وكان البناء للمفعول أبلغ جزاء في نفيه قال تعالى : { لا يظلمون * } ، أي : لا يتجدد عليهم ظلم لا ظاهراً ولا باطناً ، ليعلم بإبدال " يوم " ، من ذلك المتقدم أن الخسارة بإقامة الحق عليهم لا بمجرد إسكاتهم .