{ وكذلك } أي{[45796]} {[45797]}فعلنا بهم{[45798]} هذا من آياتنا {[45799]}من النوم وغيره{[45800]} ، ومثل ما فعلناه بهم { بعثناهم } {[45801]}بما لنا من العظمة{[45802]} { ليتساءلوا } {[45803]}وأظهر بالافتعال إشارة إلى أنه في غاية الظهور . ولما كان المراد تساؤلا عن أخبار لا تعدوهم قال تعالى{[45804]} : { بينهم } أي{[45805]} عن أحوالهم في نومهم ويقظتهم {[45806]}فيزدادوا إيماناً ، وثباتاً وإيقاناً ، بما ينكشف لهم من الأمور العجيبة ، والأحوال الغريبة{[45807]} فيعلم{[45808]} أنه لا علم لأحد غيرنا ، ولا قدرة لأحد سوانا ، وأن قدرتنا تامة ، وعلمنا شامل ، فليعلم ذلك من أنكر قدرتنا على البعث وسأل اليهود البعداء البغضاء عن نبيه{[45809]} الحبيب الذي أتاهم بالآيات ، وأراهم البينات ، فإن كانوا يستنحصون اليهود فليسألوهم عما قصصنا{[45810]} من هذه القصة ، فإن اعترفوا به{[45811]} لزمهم جميعاً{[45812]} الإيمان والرجوع عن الغي والعدوان ، وإن لم يؤمنوا علم قطعاً أنه لا يؤمن إلا من أردنا هدايته بالآيات البينات كأهل الكهف وغيرهم ، لا بإنزال الآيات المقترحات .
ولما كان المقام مقتضياً لأن يقال : ما كان تساؤلهم ؟ أجيب بقوله تعالى : { قال قائل منهم } {[45813]}مستفهماً من إخوانه{[45814]} : { كم لبثتم } نائمين {[45815]}في هذا الكهف{[45816]} من ليلة أو يوم ، {[45817]}وهذا يدل على أن هذا{[45818]} القائل استشعر طول لبثهم بما رأى من هيئتهم أو لغير ذلك من الأمارات ؛ ثم وصل به في{[45819]} ذلك الأسلوب أيضاً قوله تعالى : { قالوا لبثنا يوماً } {[45820]}ودل على أن هذا الجواب مبني على الظن بقوله دالاً حيث أقرهم عليه سبحانه على جواز الاجتهاد والقول بالظن المخطىء ، وأنه لا يسمى كذباً وإن كان مخالفاً للواقع{[45821]} { أو بعض يوم } كما تظنون أنتم عند قيامكم من القبور إن لبثتم إلا قليلاً ، لأنه لا فرق بين صديق وزنديق في الجهل بما غيبه الله تعالى : فكأنه قيل : على أي شيء استقر أمرهم في ذلك ؟ فأجيب بأنهم ردوا الأمر إلى الله بقوله{[45822]} : { قالوا } أي قال بعضهم {[45823]}إنكاراً على أنفسهم{[45824]} ووافق الباقون بما عندهم من{[45825]} التحاب في الله والتوافق فيه{[45826]} فهم في الحقيقة إخوان الصفا{[45827]} وخلان الألفة والوفا { ربكم } المحسن إليكم { أعلم } {[45828]}أي من كل أحد{[45829]} { بما لبثتم فابعثوا } أي فتسبب عن إسناد العلم إلى الله تعالى أن يقال : اتركوا الخوض{[45830]} في هذا واشتغلوا بما ينفعكم بأن تبعثوا { أحدكم بورقكم } أي فضتكم { هذه } {[45831]}التي جمعتموها لمثل هذا{[45832]} { إلى المدينة } التي خرجتم منها وهي طرطوس{[45833]} {[45834]}ليأتينا بطعام فإنا جياع{[45835]} { فلينظر أيها } {[45836]}أي أي أهلها{[45837]} { أزكى } أي أطهر {[45838]}وأطيب{[45839]} { طعاماً فليأتكم } {[45840]}ذلك الأحد{[45841]} { برزق منه } لنأكل { وليتلطف } في التخفي بأمره حتى لا يتفطنوا له { ولا يشعرن } أي{[45842]} هذا المبعوث منكم في هذا الأمر { بكم أحداً * } أن فطنوا له{[45843]} فقبضوا عليه ، {[45844]}وإن المعنى : لا يقولن ولا يفعلن ما يؤدي من غير قصد منه إلى الشعور بكم فيكون قد أشعر بما كان منه من السبب ، وفي قصتهم دليل على أن حمل المسافر ما يصلحه من المنفعة رأى المتوكلين لا المتآكلين المتكلين على الإنفاقات على ما في أوعية{[45845]} القوم من النفقات ، وفيها صحة الوكالة ؛ ومادة ( ورق ) بجميع تراكيبها الخمسة عشر قد تقدم في سورة سبحان وغيرها أنها تدور{[45846]} على الجمع ، {[45847]}فالورق مثلثة وككتف وجبل : الدراهم المضروبة - تشبيهاً بالورق في الشكل وفي الجمال ، وبها جمع حال الإنسان ، {[45848]}وحالها مقتض للجمع{[45849]} ، والورّاق : الكثير الدراهم وهو أيضاً مورّق الكتب ، وحرفته الوراقة ، وما زلت منك موارقاً ، أي قريباً مدانياً - أي كالذي يساجلك في قطاف الورق من شجرة واحدة فهو يأخذ من ناحية وأنت من أخرى ، والمداناة : أول الجمع والورق - محركة : جمال الدنيا وبهجتها - لأنها تجمع ألواناً وأنواعاً ، ولعل منه الورقة ، قال في{[45850]} مختصر العين : إنها سواد في غبرة .
وحمامة ورقاء - أي منه ، وفي القاموس : والأورق من الإبل : ما في لونه بياض إلى سواد ، ورأى رجل الغول على جمل أورق فقال : جاء{[45851]} بأم الربيق على أريق ، أي{[45852]} بالداهية العظيمة ، صغر الأورق كسويد في أسود ، والأصل وريق فقلبت واوه همزة ، والأورق أيضاً الرماد {[45853]}لا مطر{[45854]} فيه واللبن ثلثاه ماء – كل ذلك جامع للونين فأكثر ، والورق {[45855]}محركة أيضا{[45856]} من الكتاب والشجر{[45857]} معروف - لأنك لا تكاد{[45858]} تجد واحدة منه على لون واحد ، ولأنه يجمع الواحدة منه إلى الأخرى ويجمع معنى ما{[45859]} يحمله ، قال في مختصر العين : والورق : أدم رقاق{[45860]} منه ورق المصحف ، والورق أيضاً : الخبط - لأنه لما كانت الإبل تعلفه كان كأنه هو الورق لا غيره ، والورق : الحي من كل حيوان - لأن الحياة هي الجمال ، وبها جماع الأمور ، ولأن الورق{[45861]} دليل على حياة الحي من الشجر ، فهو من إطلاق اسم الدال على المدلول ، والورق أيضاً : ما استدار من الدم على الأرض ، أو ما سقط اسم من الجراحة - لأن الاستدارة أجمع{[45862]} الأشكال ، وهو تشبيه بورق الشجر في{[45863]} الشكل ، والورق : المال من إبل ودراهم وغيرها - لأن جماع حياة الإنسان وكمالها بذلك كما أن كمال حياة الشجر بالورق ، ولرعي المال من الحيوان الورق ، والورق : حسن القوم وجمالهم - من ذلك ، لأنه يجمع أمرهم ويجمع إليهم غيرهم ، والورق من القوم{[45864]} : {[45865]}أحداثهم أو الضعاف{[45866]} من الفتيان - تشبيه بالورق لأنه لا يقيم غالباً{[45867]} أكثر من عام ، ولأنه ضعيف في نفسه ، وضعيف النفع بالنسبة إلى الثمر{[45868]} ، والورقة - بهاء : الخسيس{[45869]} والكريم ، ضد - للنظر{[45870]} تارة إلى كونه نافعاً{[45871]} للمرعى ودالاً على الحياة ، وإلى كونه غير مقصود بالذات أخرى ، و{[45872]}رجل ورق وامرأة ورقة : خسيسان أي لا ثمرة لهما ، ومن ذلك أورق الصائد - إذا رمى فأخطأ أي لم يقع على غير الورق ، أي لم تحصل له ثمرة ، بل وقع على شجرة غير مثمرة ، وكذا أورق القوم : {[45873]}أخفقوا في حاجتهم ، أي رجعوا بلا{[45874]} ثمرة ، ومن ذلك أيضاً أورقوا : كثر{[45875]} مالهم ودراهمهم - ضد ، هذا بالنظر إلى أن في الورق جمال الشجر وحياته ، والتجارة مؤرقة للمال كمجلبة أي مكثرة ؛ ومنه قول القزاز في ديوانه : هذا رجل مؤرق له دراهم{[45876]} ، والمؤرق : الذي لا شيء له - ضد ، أو أنه تارة يكون للإيجاب والصيرورة نحو أغدّ البعير ، وتارة للسلب نحو أشكيته{[45877]} ، والوراق ككتاب : وقت خروج الورق{[45878]} من الشجر ، وشجرة وريقة وورقة{[45879]} : كثيرة الورق ، والوارقة{[45880]} : الشجرة الخضراء {[45881]}الورقة الخشنة{[45882]} ، والوراق - كسحاب : خضرة الأرض من الحشيش ، وليس من الورق في شيء ، وذلك أن تلك الخضرة لا تخلو{[45883]} عن لون آخر ، والرقة - كعدة : أول نبات النصي والصليان وهما نباتان أفضل مراعي الإبل ، لأنهما سبب لجمع المال للرعي ، والرقة : الأرض التي يصيبها المطر في الصفرية{[45884]} - أي{[45885]} أول الخريف - أو في القيظ فتنبت فتكون خضراء - كأن ذلك النبات يكون أقل خضرة من نبات الربيع ، ويكون اختلاطه لغيره من الألوان أكثر مما في الربيع ، وفي القوس ورقة - بالفتح : عيب ، {[45886]}والورقاء : الذئبة{[45887]} - من أجل أن الورق الخالي عن الثمر تقل الرغبة في شجره وهو دون المثمر ، ولأن الورق مختلط اللون ، والاختلاط في كل شيء عيب بالنسبة إلى الخالص ، وتورقت الناقة : أكلت الورق .
وقار الرجل يقور : مشى على أطراف قدميه لئلا يسمع صوتهما - لأن فاعل ذلك جدير بالوصول إلى ما أراد مما يجمع شمله ، ومنه قار {[45888]}الصيد : ختله{[45889]} - لأن أهل الخداع أولى بالظفر ، ألا ترى الأسود تصاد به{[45890]} ، ولو غولبت عز أخذها ، وقار الشيء : قطعه من وسطه خرقاً مستديراً كقوّره - لأن الثوب يصير بذلك الخرق يجمع ما يراد{[45891]} منه ، والاستدارة أجمع{[45892]} الأشكال كما سلف ، والقوارة - كثمامة : ما قور الثوب وغيره ، أو يخص{[45893]} بالأديم ، وما قطعت من جوانب الشيء ، والشيء الذي قطع{[45894]} من جوانبه - ضد ، وهو من تسميه موضع{[45895]} الشيء باسمه ، والقارة : الجبل{[45896]} الصغير الصلب المنقطع عن الجبال - لشدة اجتماع أجزائه بالصلابة واجتماعه في نفسه بانقطاعه عن غيره مما لو خالطه لفرقه ، ولم يعرف حده على ما هو ، والقارة{[45897]} : الصخرة العظيمة ، والأرض ذات الحجارة السود - لاجتماعها في نفسها بتميزها عن غيرها بتلك الحجارة{[45898]} ، ودار قوراء : واسعة - تشبيهاً بقوارة الثواب ، ولأنها كلما{[45899]} اتسعت كانت أجمع ، والقار : الإبل أو{[45900]} القطيع الضخم منها ، والاقورار : تشنج الجلد وانحناء الصلب هزالاً وكبراً - لأن كلاًّ من التشنج والانحناء اجتماع ، والاقورار{[45901]} : الضمر - لأن الضامر اجتمعت أجزاؤه ، والاقورار : السمن - ضد ، لأن السمين جمع اللحم والشحم ، والاقورار : ذهاب نبات الأرض - لأنها تصير بذلك قوراء فتصير{[45902]} أجدر بأن تسع الجموع ، ويمكن أن يكون الأقورار كله من السلب إلا ما للسمن ، والقور : القطن الحديث أو ما زرع من عامه لأنه{[45903]} يلبس فيجمع{[45904]} البدن ، ولقيت منه الأقورين - بكسر الراء ، والأقوريات أي الدواهي القاطعة - تشبيهاً بما قور من الثوب ، فهي{[45905]} للسلب ، والقور - محركة : العين{[45906]} - لأن محلها يشبه القوارة ، والمقور{[45907]} - كمعظم : المطلي بالقطران - لاجتماع أجزائه بذلك ، واقتار : احتاج ، أي صار أهلاً لأن يجمع ، وتقور الليل{[45908]} : تهور ، أي مضى ، من القطع ، وتقورت الحية : تثنت أي تجمعت ، والقار : شجر مر - كأنه الذي تطلى به السفن ، وهذا أقير من هذا : أشد مرارة{[45909]} - لأن المرارة تجمع اللهوات عند الذوق ، والقارة قبيلة - لأن {[45910]}ابن الشداخ{[45911]} أراد أن يفرقهم{[45912]} فقال شاعرهم :
دعونا قارة لا تذعرونا{[45913]} *** فنجفل مثل إجفال الظليم
فسموا القارة بهذا{[45914]} وكانوا رماة ، وفي المثل : قد أنصف القارة من راماها .
والرقوة : {[45915]}فويق الدعص{[45916]} من الرمل ، ويقال رقو ، بلا هاء - كأنه لجمعه الكثير من الرمل ، أو لجمعه{[45917]} من يطلب الإشراف على الأماكن البعيدة بالعلو عليه لترويح النفس - والله الموفق .