قوله : { وكذلك بَعَثْنَاهُمْ } : الكاف نعت لمصدر محذوف ، أي : كما أنمناهم تلك النَّومةَ ، كذلك بعثناهم ؛ ادِّكاراً بقدرته ، والإشارة ب " ذلِكَ " إلى المصدر المفهوم من قوله " فَضرَبْنَا " ، أي : مثل جعلنا إنامتهم هذه المدة المتطاولة آية ، جعلنا بعثهم آية ، قاله الزجاج والزمخشريُّ .
قوله : { لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ } متعلقة بالبعث ، وقيل : هي للصَّيرورة ؛ لأن البعث لم يكن للتساؤل ، قاله ابن عطيَّة ، والصحيح أنَّها على بابها من السببية .
قوله : { كَم لَبِثْتُمْ } " كم " منصوبة على الظرف ، والمميز محذوف ، تقديره : كم يوماً ؛ لدلالةِ الجواب عليه ، و " أوْ " في قوله : { أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } للشكِّ منه ، وقيل : للتفصيل ، أي : قال بعضهم كذا ، وبعضهم كذا .
المعنى كما أنمناهم في الكهف ، وحفظنا أجسامهم من البلى ، طول الزمان ، فكذلك بعثناهم من النَّوم الذي يشبه الموت ؛ { لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ } ليسأل بعضهم بعضاً ، واللام لام العاقبة ؛ لأنَّهم لم يبعثوا للسُّؤال .
فإن قيل : هل يجوز أن يكون الغرض من بعثهم أن يتساءلوا ويتنازعوا ؟ .
فالجواب : لا يبعد ذلك ؛ لأنَّهم إذا تساءلوا ، انكشف لهم من قدرة الله أمورٌ عجيبةٌ ، وذلك أمرٌ مطلوبٌ .
قاله ابن الخطيب{[20915]} .
ثم قال تعالى : { قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ } وهو رئيسهم ، واسمه مكسلمينا : { كَم لَبِثْتُمْ } في نومكم ، أي : كم مقدار لبثنا في هذا الكهف { قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } .
قال المفسرون{[20916]} : إنهم دخلوا الكهف غدوة وبعثهم الله في آخر النَّهار ؛ فلذلك قالوا : يوماً ، فلما رأوا الشمس ، قالوا : أو بعض يوم ، فلما نظروا إلى شعورهم وأظفارهم " قَالُوا " أي : علموا أنَّهم لبثوا أكثر من يوم : { قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ } .
قيل : إنَّ رئيسهم مكسلمينا ، لما [ رأى ]{[20917]} الاختلاف بينهم قال : دعوا الخلاف .
قوله : { فابعثوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذه } يعني يمليخا ، قاله ابن عباس{[20918]} .
قوله : " بورِقكُمْ " حال من " أحَدكُمْ " ، أي : مصاحباً لها ، وملتبساً بها ، وقرأ{[20919]} أبو عمرو ، وحمزة ، وأبو بكر بفتح الواو وسكون الراء والفكِّ ، وباقي السبعة بكسر الراء ، والكسر هو الأصل ، والتسكين [ تخفيف ] ك " نَبْق " في نَبِق ، وحكى الزجاج{[20920]} كسر الواو ، وسكون الراء ، وهو نقلٌ ، وهذا كما يقال : كَبِدٌ وكَبْدٌ وكِبْدٌ .
وقرأ أبو رجاء ، وابن محيصن{[20921]} كذلك ، إلاَّ أنه بإدغام القاف ، واستضعفوها من حيث الجمع بين ساكنين على غير حدَّيهما ، وقد تقدَّم ذلك في المتواتر ما يشبهُ هذه من نحو { تُسْأَلُونَ عَمَّا } [ في الآية : 134 من البقرة ] و { لاَ تَعْدُواْ فِي السبت } [ النساء : 154 ] و { الخُلْدِ جَزَآءً } [ فصلت : 38 ] و { فِي المهد صَبِيّاً } [ مريم : 29 ] وروي عن ابن محيصن ؛ أنَّه لمَّا أدغم كسر الراء فراراً ممَّا ذكرنا .
وقرأ{[20922]} أمير المؤمنين " بوارقكم " اسم فاعلٍ ، أي : صاحب ورقٍ ، ك " لابنٍ " وقيل : هو اسم جمع كجاملٍ وباقرٍ .
والوَرِقُ : الفضَّة المضروبة ، وقيل : الفضَّة مطلقاً مضروبة كانت ، أو غير مضروبة ؛ ويدلُّ عليه ما رُوي أنَّ عرفجة اتَّخذَ أنفاً من ورقٍ{[20923]} .
قال الفراء والزجاج : فيه ثلاثُ لغاتٍ : وَرِقٌ ، ووَرْقٌ ، ووِرْقٌ ، ك " كَبِدٍ وكَبْدٍ وكِبْدٍ " وكسر الواو أردؤها يقال لها : " الرِّقةُ " بحذف الواو ، وفي الحديث : " في الرِّقةِ ربعُ العُشْرِ " {[20924]} وجمعت شذوذاً جمع المذكر السالم .
قال المفسرون{[20925]} : كان معهم دراهم عليها صورة الملكِ الذي كان في زمانهم ، ثم قال تعالى : { إلى المدينة } وهي الَّتي يقال لها اليوم ( طرسوس ) ، وكان اسمها في الجاهلية " أفسوس " ، وهذه الآية تدل على أنَّ السَّعي في إمساك الزَّاد أمرٌ مشروعٌ .
قوله : { فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أزكى طَعَاماً } [ يجوز في " أي " أن تكون استفهامية ، وأن تكون موصولة . قال الزجاج : إنها رفع بالابتداء و " أزكى " خبرها ، وتقدم الكلام على نظيره في قوله : { أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً } [ الكهف : 7 ] ، ولابد ها هنا من حذف " أيُّ " أي : أيّ أهلها أزكى و " طعاماً " ]{[20926]} تمييزٌ ، أي : لا يكون من غصبٍ ، أي : سببٍ حرام .
وقيل : لا حذف ، والضميرُ عائدٌ على الأطعمة المدلول عليها من السِّياق .
قيل : أمروهُ أن يطلب ذبيحة مؤمنٍ ، ولا يكون من ذبيحة من يذبح لغير الله ، وكان فيهم مؤمنون ينكرون إيمانهم .
قال الضحاك : أزكى طعاماً ، أي : أطيب{[20927]} .
وقال مقاتلٌ : أجود{[20928]} .
وقال عكرمة : أكثر{[20929]} .
وأصل الزَّكاة النُّمو والزيادة .
وقيل : أرخص طعاماً { فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ } أي : قوتٍ وطعامٍ تأكلونه .
قوله : " ولْيَتلَطَّفْ " قرأ العامة بسكون لام الأمر ، والحسنُ{[20930]} بكسرها على الأصل ، [ وقتيبة الميَّال ]{[20931]} " وليُتَلَطَّفْ " {[20932]} مبنياً للمفعول ، وأبو جعفر وأبو صالحٍ ، وقتيبة " ولا يشعُرنَّ " بفتح الياء وضمِّ العين .
فإن قيل : " بكُمْ " " أحدٌ " فاعل به .
فالجواب : معنى " وليَتَلطَّفْ " أي : يكون في سترة ، وكتمانٍ في دخول المدينة ، قاله الزمخشريُّ ، ويجوز أن يعود على قومهم ؛ لدلالة السِّياق عليهم .
وقرأ{[20933]} زيدُ بن عليٍّ " يُظْهرُوا " مبنيًّا للمفعول .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.