الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَكَذَٰلِكَ بَعَثۡنَٰهُمۡ لِيَتَسَآءَلُواْ بَيۡنَهُمۡۚ قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ كَمۡ لَبِثۡتُمۡۖ قَالُواْ لَبِثۡنَا يَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ يَوۡمٖۚ قَالُواْ رَبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا لَبِثۡتُمۡ فَٱبۡعَثُوٓاْ أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمۡ هَٰذِهِۦٓ إِلَى ٱلۡمَدِينَةِ فَلۡيَنظُرۡ أَيُّهَآ أَزۡكَىٰ طَعَامٗا فَلۡيَأۡتِكُم بِرِزۡقٖ مِّنۡهُ وَلۡيَتَلَطَّفۡ وَلَا يُشۡعِرَنَّ بِكُمۡ أَحَدًا} (19)

{ وَكَذلِكَ بَعَثْنَاهُمْ } أي كما أنمناهم في الكهف ، ومنعنا من الوصول إليهم ، وحفظنا أجسامهم من البلى على طول الزمان ، وثيابهم من العفن على مرّ الأيّام بقدرتنا ، كذلك بعثناهم من النّومة التي تشبه الموت { لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ } : ليتحدّثوا ، ويسأل بعضهم بعضاً . { قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ } يعني : رئيسهم مكسلمينا : { كَم لَبِثْتُمْ } في نومكم ؟ وذلك أنهم استنكروا من أنفسهم طول نومهم . ويقال : إنه راعهم ما فاتهم من الصلاة ، فقالوا ذلك . { قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً } ؛ لأنهم دخلوا الكهف غدوة ، فلما رأوا الشمس قالوا : { أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } توقّياً من الكذب ، وكانت قد بقيت من الشمس بقية . ويقال : كان بعد زوال الشمس . فلما نظروا إلى شعورهم وأظفارهم تيقّنوا أن لبثهم أكثر من يوم أو بعض يوم ، ف { قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ } . ويقال : إن رئيسهم لما سمع الاختلاف بينهم قال ذلك . { فَابْعَثُواْ أَحَدَكُمْ } يعني : تمليخا { بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ } ، والورِق : الفضّة ؛ مضروبة كانت أو غير مضروبة . والدليل عليه أنّ عرفجة بن أسعد أُصيب أنفه يوم الكلاب فاتّخذ أنفاً من ورِق فأنتن عليه ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفاً من ذهب . وفيه لغات : ( بورْقكم ) وهي قراءة أبي عمرو وحمزة وخلف ، و( ورقكم ) بسكون الراء وإدغام القاف وهي قراءة أهل مكة ، و بفتح الواو وكسر الراء وهي قراءة أكثر القراء . و( ورِق ) مثل كبْد وكَبِد وكِلْمة وكَلِمة .

( والمدينة ) : أفسوس ، { فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَى طَعَاماً } قال ابن عباس وسعيد بن جبير : أحلّ ذبيحةً ، لأن عامّتهم كانوا مجوساً ، وفيهم قوم مؤمنون يخفون إيمانهم . قال الضحّاك : أطيب . وقال مقاتل بن حيّان : أجود . وقال يمان بن رياب : أرفص . قتادة : خير . قال عكرمة : أكثر . وأصل الزكاة الزيادة والنّماء ، قال الشاعر :

قبائلنا سبع وأنتم ثلاثة *** ولَلسبع أزكى من ثلاث وأطيب

{ فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ } أي قوت وطعام ، { وَلْيَتَلَطَّفْ } : وليترفق في الشراء ، وفي طريقه ، وفي دخول المدينة ، { وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً } من الناس ، أي ولا يعلمن ، أي إن ظُهر عليه فلا يوقعن إخوانه فيما يقع فيه .