تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَكَذَٰلِكَ بَعَثۡنَٰهُمۡ لِيَتَسَآءَلُواْ بَيۡنَهُمۡۚ قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ كَمۡ لَبِثۡتُمۡۖ قَالُواْ لَبِثۡنَا يَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ يَوۡمٖۚ قَالُواْ رَبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا لَبِثۡتُمۡ فَٱبۡعَثُوٓاْ أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمۡ هَٰذِهِۦٓ إِلَى ٱلۡمَدِينَةِ فَلۡيَنظُرۡ أَيُّهَآ أَزۡكَىٰ طَعَامٗا فَلۡيَأۡتِكُم بِرِزۡقٖ مِّنۡهُ وَلۡيَتَلَطَّفۡ وَلَا يُشۡعِرَنَّ بِكُمۡ أَحَدًا} (19)

الآية19 : وقوله تعالى : { وكذلك بعثناهم } أي كما أنبأكم من أنبائهم{[11474]} وقصصهم ( كذلك بعثهم ){[11475]} أو كما ضرب على آذانهم ، وأنامهم سنين ، كذلك يبعثهم .

وقوله تعالى : { وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم } بعثهم لما علم ما يكون منهم ، وهو التساؤل ، وهكذا جميع ما يخلق ، ويُنْشِئُ ؛ إنما يخلق و ينشىء لما يعلم أنه يكون منهم لقوله : { ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا } ( الأعراف : 179 ) ذرأهم لما علم أن يكون منهم ، وهو عمل أهل جهنم . وكذلك قوله : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } ( الذريات : 56 )من علم أنه يعبده ، ويعمل{[11476]} به عمل أهل الجنة ، خلقه لذلك .

هكذا كل ما يخلق ؛ إنما يخلق لما يعلم أنه يكون منه ؛ إذ يخرج الفعل لذلك مخرج العجز والجهل بالعواقب . فإذا كان الله عالما بما كان ، ويكون ، ويتعالى عن أن يكون فعله عبثا ، لم يجز أن يخلق شيئا لغير ما علم أنه يكون .

وهكذا في الشاهد : من عمل عملا/314-ب/ أو فعل فعلا لغير ما علم ( ما يكون منه ){[11477]} فهو عابث أو جاهل بعواقبه ، وبالله العصمة .

وقوله تعالى : { قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم } قال بعضهم : تأويله ما ذكر{ ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا }( الكهف : 12 ) قالوا ذلك لما لم يروا في أنفسهم آثارا وأعلاما تدل على طول المُكْثِ والمقام فيه . ثم تذكروا أحوالهم وما يرى النائم في نومه من العجائب وأشياء كثيرة . عرفوا أن ذلك القدر من الأشياء من العجائب التي رأوا ، لا يحتمل أن يكون في يوم أو بعض يوم . فعند ذلك وكلوا الأمر إلى الله ، فقالوا : { ربكم أعلم بما لبثتم } .

وأما الذي أماته مئة عام لما بعثه قطع القول في ذلك ، ولم يَكِلِ الأمر إلى الله ، حين{[11478]} { قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم } ( البقرة : 259 ) لأنه كان ميتا . والميت لا يرى شيئا ، ولم يكن في نفسه آثار تدل على ذلك ، فقطع القول فيه ، ولم يكل الأمر إلى الله . وأما النائم فإنه يرى في نومه أشياء ، ( يعرف أنها ){[11479]} لا تكون في وقت قصير ، لذلك وكلوا الأمر إلى الله تعالى .

وقوله تعالى : { فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة } فيه أنهم لما فارقوا ، ومعهم زاد ، وهو الورق ، أمر بعضهم بعضا أن يبعث ( أحدهم ){[11480]} بالورق ، ليأتيهم بالطعام . وفيه أنه أضاف الورق إليهم ، ولا شك أنه كان له فيه نصيب حين{[11481]} قال : { بورقكم هذه } وفيه دلالة جواز المناهدة في الأسفار وغيرها إذا كان الورق بينهم . وفيه دلالة جواز الوكالة ، وأنها ليست بمبدعة ، ولكن كانت في القرون الماضية ، وهي متوَارثََةُ .

وقوله تعالى : { فلينظر أيها أزكى طعاما } اختلف فيه :

قال بعضهم : { أزكى طعاما } أي أحل طعاما لأن بعض أهل تلك المدينة ، يذبحون للأصنام وباسم تلك الأوثان التي كانوا يعبدونها . فأمروه بأن يأتيهم بحلال يحل أكله والتناول منه .

وقال بعضهم : { أزكى }أرخص وأكثر لأنهم في مكان ، لا يدرون متى يخرجون منه ، فطلبوا الأكثر لشدة حاجتهم إليه ، ويكفي مقامهم ونحوه .

وقال بعضهم : { أزكى طعاما } أي أطيب وأجود لأن الطيب أزيد للعقول وأصلح للأنفس وأنفع .

ولذلك جعل الله أرزاق البشر ما هو أطيب وألين لما يزيد ذلك في العقول والفهوم{[11482]} ، وجعل لغيرهم من الدواب كل خشن خبيث لما ليس لهم عقول نحتاج إلى ما يزيد لها فيها . وأصل الزكاء النماء والزيادة .

وقوله تعالى : { وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا } يحتمل قوله : { وليتلطف } أي وليرفق بهم لئلا يشعروا{[11483]} أنه من أولئك الذين فارقهم لدينهم . أو أمره بالتلطف أي بالسماحة والسهولة في الشراء لما جاء في الخير ( رحم الله رجلا سمح البيع والشراء )( بنحوه الترمذي1319 )

وقوله تعالى : { ولا يشعرن بكم أحدا } أنه فلان بن فلان ، وأنه من قوم كذا ، فيعرفوا{[11484]} أنه من أصحاب الكهف ، ألا يشعرن بمكانكم أحدا من الناس .


[11474]:من م، في الأصل أنبائكم.
[11475]:ساقطة من م.
[11476]:في الأصل و.م: ويعلم.
[11477]:في الأصل و.م:أنه يكون.
[11478]:في الأصل و.م: حيث.
[11479]:في الأصل و.م: فيعرفه أنه.
[11480]:ساقطة من الأصل و.م.
[11481]:في الأصل و.م: حيث.
[11482]:في الأصل و.م: والفهم.
[11483]:في الأصل و.م: يشعرن.
[11484]:في الأصل و.م: فيعرفون.