فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَكَذَٰلِكَ بَعَثۡنَٰهُمۡ لِيَتَسَآءَلُواْ بَيۡنَهُمۡۚ قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ كَمۡ لَبِثۡتُمۡۖ قَالُواْ لَبِثۡنَا يَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ يَوۡمٖۚ قَالُواْ رَبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا لَبِثۡتُمۡ فَٱبۡعَثُوٓاْ أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمۡ هَٰذِهِۦٓ إِلَى ٱلۡمَدِينَةِ فَلۡيَنظُرۡ أَيُّهَآ أَزۡكَىٰ طَعَامٗا فَلۡيَأۡتِكُم بِرِزۡقٖ مِّنۡهُ وَلۡيَتَلَطَّفۡ وَلَا يُشۡعِرَنَّ بِكُمۡ أَحَدًا} (19)

{ وكذلك } أي وكما فعلنا بهم ما فعلنا من الكرامات و أنمناهم في الكهف تلك النومة وحفظنا أجسامهم من البلى على طول الزمان { بعثناهم } من نومهم وجعلنا بعثهم آية قاله الزجاج والزمخشري وفيه تذكير بقدرته على الإماتة والبعث جميعا ثم ذكر الأمر الذي لأجله بعثهم فقال : { ليتساءلوا بينهم } أي ليقع التساؤل بينهم والاختلاف والتنازع في مدة اللبث لما يترتب على ذلك من انكشاف الحال وظهور القدرة الباهرة .

وقيل اللام للصيرورة لأن البعث لم يكن للتساؤل قاله ابن عطية والصحيح أنها على بابها من السببية والاقتصار على علة التساؤل لا ينفي غيرها وإنما أفرده لاستتباعه لسائر الآثار { قال قائل } أي واحد { منهم } وهو كبيرهم ورئيسهم ( مكسلمينا ) { كم لبثتم } في النوم قالوا ذلك لأنهم رأوا في أنفسهم غير ما يعهدون في العادة والجملة مبينة لما قبلها من التساؤل .

{ قالوا } أي قال بعضهم وقيل قال ستة الباقون جوابا على سؤال من سأل منهم قال : المفسرون : إنهم دخلوا الكهف غدوة وبعثهم الله سبحانه آخر النهار فلذلك قالوا { لبثنا يوما } أي لظنهم أن الشمس قد غربت فلما رأوا الشمس لم تغرب قالوا { أو بعض يوم } وكان قد بقي بقية من النهار وقد مر مثل هذا الجواب في قصة عزير في البقرة أو للشك ، وقيل للتفصيل أي قال بعضهم كذا وبعضهم كذا وفيه دليل على جواز الاجتهاد والقول بالظن الغالب .

{ قالوا } متوقفين في قدر مدة لبثهم { ربكم أعلم بما لبثتهم } إما على طريق الاستدلال أو كان ذلك إلهاما لهم من الله سبحانه أي أنكم لا تعلمون مدة لبثكم وإنما يعلمها الله سبحانه وهذا رد منهم على الأولين بأجمل ما يكون من مراعاة حسن الأدب وبه يتحقق التحزب إلى الحزبين المعهودين في قوله سابقا لنعلم أي الحزبين . وقد استدل ابن عباس على أن عددهم سبعة بهده الآية لأنه قد قال في الآية قال قائل منهم وهذا واحد ، وقالوا في جوابه لبثنا وهو جمع وأقله ثلاثة ثم قالوا وهذا قول جمع آخرين فصاروا سبعة .

{ فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة } كأنه قال القائل منهم يعني يمليخا اتركوا ما أنتم عليه من المحاورة وخذوا في شيء آخر مما يهمكم وفيما تنتفعون به والفاء للسببية أي فأرسلوا واحدا منكم إلى البلد ، والورق الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة ويقال لها الرقة وفي الحديث ( وفي الرقة ربع العشر ) وجمعت شذوذا جمع المذكر السالم يقال عندي رقون والباء للمصاحبة والملابسة . وفي حملهم لهذه الورق معهم دليل على أن إمساك بعض ما يحتاج إليه الإنسان لا ينافي التوكل على الله والمدينة أفسوس بضم الهمزة كما قاله النيسابوري وهي مدينتهم التي كانوا فيها من مدائن الروم ويقال لها اليوم في الإسلام طرطوس كذا قال الواحدي ، وفي الكشف : أن المدينة التي خرجوا منها غير المدينة التي بعثوا إليها لشراء الطعام ، إذ أفسوس من أعمال طرطوس وهي ناحية .

{ فلينظر أيها أزكى طعاما } أي لينظر أي أهلها أطيب طعاما و أحل مكسبا أو أرخص سعرا أي استفهامية أو موصولة .

قال ابن عباس : أحل وأطهر ذبيحة لأنهم كانوا يذبحون للطواغيت أو أكثر بركة ، وقيل يجوز أن يكون الضمير إلى الأطعمة المدلول عليها في المقام كما يقال زيد طيب أبا علي أن الأب هو زيد وفيه بعد :

{ فليأتيكم برزق منه } أي من الورق أي بدله أومن قوت وطعام تأكلونه واستدل بالآية على حل ذبائح أهل الكتاب لأن عامة أهل المدينة كانوا كفارا وفيه قوم يخفون إيمانهم ، ووجه الاستدلال أن الطعام يتناول اللحم كما يتناول غيره مما يطلق عليه اسم الطعام { وليتلطف } أي يدقق النظر حتى لا يعرف أو يغبن والأول أولى ويؤيده { ولا يشعرن بكم أحدا } من الناس أي لا يفعلن ما يؤدي إلى الشعور ويتسبب له فهذا النهي يتضمن التأكيد للأمر بالتلطف . ثم علل ما سبق من الأمر والنهي فقال