التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَكَذَٰلِكَ بَعَثۡنَٰهُمۡ لِيَتَسَآءَلُواْ بَيۡنَهُمۡۚ قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ كَمۡ لَبِثۡتُمۡۖ قَالُواْ لَبِثۡنَا يَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ يَوۡمٖۚ قَالُواْ رَبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا لَبِثۡتُمۡ فَٱبۡعَثُوٓاْ أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمۡ هَٰذِهِۦٓ إِلَى ٱلۡمَدِينَةِ فَلۡيَنظُرۡ أَيُّهَآ أَزۡكَىٰ طَعَامٗا فَلۡيَأۡتِكُم بِرِزۡقٖ مِّنۡهُ وَلۡيَتَلَطَّفۡ وَلَا يُشۡعِرَنَّ بِكُمۡ أَحَدًا} (19)

قوله تعالى : { وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كل لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرون بكم أحدا ( 19 ) إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا ( 20 ) } أي وكما أنمناهم تلك النومة وأبقيناهم أحياء بعثناهم ؛ أي أحييناهم من تلك النومة الطويلة بعد ثلاثمائة وتسع من السنين ، ولم يمسهم أذى أو بلى . وهي آية من آيات الله في خلقه تؤز العقل لكي يتدبر ويتفكر في قدرة الله البالغة وإرادته التي لا تعرف القيود .

قوله : ( ليتساءلوا بينهم قال قائل منكم كم لبثتم ) ( كم ) ، هنا ظرفية في موضع نصب للفعل لبثتم . وتقديره : كم يوما لبثتم{[2788]} اللام في ( ليتساءلوا ) لام الصيرورة وهي العاقبة . وقيل : للتعليل . والمعنى : ليسأل بعضهم بعضا عن المدة التي لبثوها رقودا في كهفهم . ولذلك ( قال قائل منهم كم لبثتم ) كم مدة لبثكم ؟ فأجاب الآخرون : ( لبثنا يوما أو بعض يوم ) ظنوا هذه المدة وهي يوم أو بعضه ؛ لأن دخولهم إلى الكهف كان في أول النهار ، واستيقاظهم كان آخره . لكنهم قد حصل لهم شيء من تردد في المدة الصحيحة فسلموا العلم بذلك إلى الله فهو علام الغيوب ؛ إذ قالوا ( ربكم أعلم بما لبثتم ) كأنهم ظنوا أن مدة نومهم كانت طويلة ولا يدري بحقيقتها إلا الله .

قوله : ( فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة ) اللام في ( المدينة ) ، للعهد والمراد مدينتهم التي خرجوا منها هرابا . وقد ذكر أن اسمها أفسوس . والورق بكسر الراء ، دراهم من فضة مضروبة أو غير مضروبة ، جاءوا بها لدى خروجهم من المدينة .

قوله : ( فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه ) ذكر أنهم قاموا من رقادهم جياعا فبادروا يطلبون الطعام : فسألوا مبعوثهم أن يشتري لهم ( أزكى طعاما فليأتكم برزق منه ) أي أطيب طعاما وأحله فليأتكم منه بقوت يقتاتون منه ( وليتلطف ولا يشعرون بكم أحدا ) وليتلطف من اللطف وهو الرفق . والتلطف في الأمر ؛ أي الترفق به . والمراد : ذهابه إلى المدينة وإيابه منها في ترفق وحذر ( ولا يشعرن بكم أحدا ) أي لا يعلمنّ بأمره أحدا .


[2788]:- البيان لابن الأنباري جـ2 ص 103.