نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَآءَتۡ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوٓاْۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ} (9)

ولما كانت النميمة ونقل الأخبار الباطلة الذميمة ربما جرت فتناً وأوصلت إلى القتال ، وكان {[60803]}العليم الحكيم{[60804]} لا ينصب سبباً إلا ذكر مسببه وأشار إلى دوائه{[60805]} ، وكان لا ينهى عن الشيء إلا من كان متهيئاً له لما في جبلته من الداعي إليه ، فكان قد يواقعه ولو في وقت ، قال تعالى معلماً لنا طريق الحكمة{[60806]} في دفع ما جرت إليه{[60807]} الأخبار الباطلة من القتال ، معبراً بأداة الشك إشارة إلى أن ما-{[60808]} في حيزها لا ينبغي أن يقع بينهم ، ولا أن يذكروه إلا على سبيل الفرض : { وإن طائفتان } أي جماعتان بالفعل أو القوة جدير كل جماعة منهما بأن يجتمع على ما-{[60809]} دهمها{[60810]} من الأمير بحيث تصير من شدة مراعاته كالطائفة حوله والمتحلقة به ، بحيث لا يدرى من شدة اجتماعها على ذلك أولها من آخرها { من المؤمنين } أي ممن هو معدود في عداد العريقين في الإيمان سواء كان هو عريقاً أو فاعلاً ما يطلق{[60811]} عليه به الاسم فقط .

ولما كانت الشناعة والفساد في قتال الجماعة أكثر ، عبر بضمير الجمع دون {[60812]}التثنية تصويراً{[60813]} لذلك بأقبح صورة فقال : { اقتتلوا } أي-{[60814]} فاختلطوا بسبب القتال حتى كانوا كالفرقة الواحدة { فأصلحوا } أي فأوقعوا الإصلاح ليحصل الصلح . ولما كانت{[60815]} العبرة في الصلح إذا وقع بين الطائفتين ما يسكن به الشر وإن تخلف شذان من الجانبين لا يعبأ بهم ، عبر بالتثنية دون الجمع فقال : { بينهما } أي بالوعظ والإرشاد الدنيوي والأخروي ، ولا تظنوا أن الباغي غير مؤمن فتتجاوزوا فيه أمر الله .

ولما كان البغي من أشنع الأمور فكان ينبغي أن لا يلم به أحد ، عبر بأداة الشك إرشاداً إلى ذلك فقال : { فإن بغت } أي أوقعت الإرادة السيئة الكائنة من النفوس التي لا تأمر بخير { إحداهما } أي الطائفتين { على الأخرى } فلم ترجع إلى حكم الله الذي{[60816]} خرجت عنه ولم تقبل الحق . ولما كان الإضمار هنا ربما أوهم لبساً فتمسك به متعنت في أمر فساد ، أزال بالإظهار كل لبس فقال : { فقاتلوا } أي أوجدوا واطلبوا مقاتلة { التي } .

ولما كان القتال لا يجوز إلا بالاستمرار على البغي ، عبر بالمضارع إفهاماً لأنه متى زال البغي ولو بالتوبة{[60817]} من غير شوكة حرم القتال فقال : { تبغي } أي توقع الإرادة وتصر عليها ، وأديموا القتال لها { حتى تفيء } أي ترجع مما صارت إليه من جر القطيعة الذي كأنه حر الشمس حين نسخه الظل إلى ما كانت فيه{[60818]} من البر والخير الذي هو كالظل الذي ينسخ الشمس ، وهو معنى قوله تعالى : { إلى أمر الله } أي التزام{[60819]} ما أمر{[60820]} به الملك الذي لا يهمل الظالم ، بل لا بد أن يقاصصه وأمره ما {[60821]}كانت عليه{[60822]} من العدل قبل البغي . ولما كانت مقاتلة الباغي جديرة بترجيعه ، أشار إلى ذلك بقوله : { فإن فاءت } أي رجعت إلى ما كانت عليه من التمسك بأمر الله الذي هو العدل { فأصلحوا } أي أوقعوا الإصلاح { بينهما } .

ولما كان الخصام يجر في الغالب من القول والفعل ما يورث للمصلحين إحنة على بعض المتخاصمين ، فيحمل ذلك على الميل مع بعض على بعض ، قال : { بالعدل } ولا يحملكم القتال على الحقد على المتقاتلين فتحيفوا . ولما كان العدل في مثل ذلك شديداً على النفوس لما تحملت من الضغائن قال تعالى : { وأقسطوا } أي وأزيلوا القسط - بالفتح وهو الجور - بأن تفعلوا القسط بالكسر وهو العدل العظيم الذي لا جور فيه ، في ذلك وفي جميع أموركم ، ثم علله ترغيباً فيه بقوله مؤكداً تنبيهاً على أنه من أعظم ما يتمادح به{[60823]} ، وردّاً على من لعله يقول : إنه لا يلزم نفسه الوقوف عنده إلا ضعيف : { إن الله } أي الذي بيده النصر والخذلان { يحب المقسطين * } أي يفعل مع أهل العدل من الإكرام فعل المحب .


[60803]:في مد:الحكيم العليم.
[60804]:في مد: الحكيم العليم.
[60805]:من مد، وفي الأصل: رواية.
[60806]:من مد، وفي الأصل: الحق.
[60807]:من مد، وفي الأصل: به.
[60808]:زيد من مد.
[60809]:زيد من مد.
[60810]:زيد من مد.
[60811]:من مد، وفي الأصل: دهمهما.
[60812]:من مد، وفي الأصل: ينطلق.
[60813]:من مد، وفي الأصل: التبنية.
[60814]:من مد، وفي الأصل: التبنية.
[60815]:في مد: كان.
[60816]:من مد، وفي الأصل: التي.
[60817]:من مد، وفي الأصل: بالنوصيه.
[60818]:من مد، وفي الأصل: إليه.
[60819]:زيد من مد.
[60820]:من مد، وفي الأصل: أراد.
[60821]:من مد، وفي الأصل: كان.
[60822]:من مد، وفي الأصل: كان.
[60823]:من مد، وفي الأصل: فيه.