نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَحَسِبُوٓاْ أَلَّا تَكُونَ فِتۡنَةٞ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٞ مِّنۡهُمۡۚ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ} (71)

{ وحسبوا } أي لقلة{[27041]} عقولهم مع مباشرتهم لهذه العظائم التي ليس بعدها شيء { ألاّ تكون } أي توجد { فتنة } أي أنه{[27042]} لا يصيبهم بها عذاب في الدنيا ولا خزي في الأخرى ، بل استحقوا بأمرها ، فلا تعجب أنت من جرأتهم في ادعائهم أنهم أبناء الله{[27043]} وأحباؤه ، وقرىء : تكون - بالرفع تنزيلاً للحسبان منزلة{[27044]} العلم فتكون مخففة من الثقيلة{[27045]} التي للتحقيق{[27046]} ، وبالنصب كان الحسبان على بابه ، وأن ، على بابها خفيفة ناصبة{[27047]} للفعل ، لأن القاعدة - كما ذكر الواحدي - أن{[27048]} الأفعال على ثلاثة أضرب : فعل للثبات والاستقرار كالعلم والتيقن والبيان{[27049]} ، تفع بعده الثقيلة دون الخفيفة ، وفعل للزلزلة والاضطراب{[27050]} كالطمع والخوف والرجاء ، فلا يكون بعده إلا الخفيفة الناصبة للمضارع ، وفعل يقع على وجهين كحسب : تارة تكون بمعنى طمع فتنصب{[27051]} ، وتارة بمعنى علم فترفع{[27052]} ، فإن رفع هنا كان الحسبان بمعنى العلم عندهم لقوة عنادهم ، وإن نصب كان بمعنى الطمع لأنهم عالمون بأن قتلهم لهم خطأ ، فتنزل القراءتان على فريقين - والله أعلم ، وأيضاً فقراءة الرفع تفيد تأكيد حسبانهم المفيد لعدم خوفهم بزيادة عماهم { فعموا } أي فتسبب عن إدلالهم إدلال الولد والمحبوب جهلاً منهم وحماقة بظنهم أنهم لا تنالهم فتنة أنهم وُجِد{[27053]} عماهم العمى الذي لا عمى في الحقيقة سواه ، وهو انطماس البصائر

فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور }[ الحج : 46 ] حتى في زمن موسى عليه السلام { وصموا } أي بعده{[27054]} وبعد يوشع عليهما السلام ، لأن الصمم أضر من العمى ، فصاروا كمن لا يهتدي إلى سبيل أصلاً ، لأنه لا بصر له بعين ولا قلب ولا سمع { ثم تاب الله } أي الذي له الإحاطة بصفات الكمال { عليهم } أي فرجعوا إلى الحق وتكرر لهم ذلك { ثم عموا } أي في زمن المسيح عليه السلام { وصموا } أي بعده{[27055]} .

ولما كان الإتيان بالضمير مفهماً لأن ذلك عمهم كلهم ، أعلم سبحانه أن ذلك ليس كذلك بقوله : { كثير منهم } إلا أن سوقه للعبارة هذا المساق يدل على أن من لم يكفر منهم كان مزلزلاً{[27056]} غير راسخ القدم في الهدى - والله أعلم ، وربما دل عليه قوله : { والله } أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً { بصير بما يعملون * } أي وإن دق وإن كانوا يظنون أنهم أسسوا{[27057]} عملهم على علم ، وقد مضى في قوله " من لعنه الله وغضب عليه " ما يشهد لهذا من عبادتهم بعلا الصنم وغيره من الأصنام مرة بعد مرة .


[27041]:في ظ: لخفة.
[27042]:في ظ: إنهم.
[27043]:سقط من ظ.
[27044]:في ظ: بمنزلة.
[27045]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[27046]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[27047]:من ظ، وفي الأصل: فا نصبته، وفي روح المعاني 2/358: وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب " أن لا تكون" بالرفع على أن "أن" هي المخففة من الثقيلة، وأصله: انه لا تكون، فخفف " أن" وحذف ضمير الشأن.
[27048]:في ظ: لان.
[27049]:في ظ: الثبات.
[27050]:من ظ، وفي الأصل: الإضراب.
[27051]:في ظ: فينصب.
[27052]:في ظ: فرفع.
[27053]:في ظ: وجدوا.
[27054]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[27055]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[27056]:في ظ: متزلزلا.
[27057]:من ظ، وفي الأصل: أسسوا- كذا.