نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَلَوۡ أَنَّهُمۡ أَقَامُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِم مِّن رَّبِّهِمۡ لَأَكَلُواْ مِن فَوۡقِهِمۡ وَمِن تَحۡتِ أَرۡجُلِهِمۚ مِّنۡهُمۡ أُمَّةٞ مُّقۡتَصِدَةٞۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ سَآءَ مَا يَعۡمَلُونَ} (66)

ولما كان المعنى : ما فعلوا ذلك ، فألزمناهم الخزي في الدنيا والعذاب الدائم في الآخرة ، وكان هذا إجمالاً لحالتهم الدنيوية والأخروية ، وكان محط نظرهم الأمر الدنيوي ، رجع - بعد إرشادهم إلى إصلاح الحالة الأخروية لأنها أهم في نفسها - إلى سبب قولهم تلك الكلمة الشنعاء{[26831]} والداهية{[26832]} القبيحة الصلعاء ، وهو تقتير{[26833]} الرزق عليهم ، وبين أن السبب إنما هو من أنفسهم فقال : { ولو أنهم أقاموا التوراة } أي{[26834]} قبل إنزال الإنجيل بالعمل بجميع ما دعت إليه من أصل وفرع وثبات عليها وانتقال عنها { والإنجيل } أي بعد إنزاله كذلك ، وفي إقامته إقامة التوراة الداعية إليه { وما أنزل إليهم من ربهم } أي المحسن إليهم من أسفار الأنبياء المبشرة بعيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ، ومن القرآن بعد إنزاله ، وفي إقامته إقامة جميع ذلك ، لأنه مبشر به وداع إليه { لأكلوا } أي لتيسر{[26835]} لهم الرزق ، وعبّر ب " من " لأن المراد بيان جهة المأكول لا الأكل { من فوقهم } .

ولما كان ذلك{[26836]} كناية عن عظم التوسعة ، قال موضحاً له معبراً بالأحسن ليفهم غيره{[26837]} بطريق الأولى : { ومن تحت أرجلهم } أي تيسراً واسعاً جداً متصلاً{[26838]} لا يحصر ، أو يكون كناية عن بركات السماء والأرض ، فبين ذلك أنه ما ضربهم بالذل والمسكنة إلا تصديقاً{[26839]} لما تقدم إليهم به في التوراة ، قال مترجمها في السفر الخامس - الدعاء والبركات : وإن أنتم سمعتم قول الله ربكم وحفظتم وعملتم بجميع الوصايا التي آمركم بها اليوم{[26840]} ، يصيركم الرب فوق جميع الشعوب ، فتصيرون إلى هذا الدعاء ، يبارك لكل امرىء منكم في القرية والحقل ، يبارك{[26841]} في أولادكم وأرضكم ، يبارك{[26842]} لكم في بهائمكم وما يضع{[26843]} في أقطاع{[26844]} بقركم وأحزاب{[26845]} غنمكم ، ويبارك فيكم إذا دخلتم ويبارك فيكم إذا خرجتم ، ويدفع إليكم الله{[26846]} أعداءكم أسارى ، يخرجون إليكم في طريق واحد ويهربون منكم في سبعة طرق ، يأمر الله ببركاته في أهرائكم وفي جميع الأشياء التي تمدون أيديكم إليها ، وينظر إليكم جميع شعوب الأرض ويعلمون أن اسم الرب عليكم وقد وسمتم{[26847]} به فيخافونكم ، ويزيدكم الرب خيراً ويبارك في ثمار أرضكم ، يفتح الله ربكم أهراء السماء ويهبط المطر على أهله في زمانه ، وتتسلطون على شعوب كثيرة ولا يتسلط عليكم أحد ، ويصيركم الرب رأساً ولا يصيركم ذنباً ، وتصيرون فوق ولا تصيرون أسفل إذا عملتم{[26848]} بجميع وصايا الله ربكم ولم تروغوا عنها يمنة ولا يسرة ، ولا تتبعوا الشعوب ولا تعبدوا آلهتها ، وإن أنتم لم تسمعوا قول الله ربكم ولم تحفظوا ولم تعملوا بجميع سننه ووصاياه التي آمركم{[26849]} بها اليوم ، ينزل بكم هذا اللعن الذي أقص{[26850]} عليكم كله ، ويدرككم العقاب ، وتكونون ملعونين{[26851]} في القرية - إلى آخر اللعن الذي تقدم قريباً ، وقال في الثالث : إذا سلكتم بسنتي{[26852]} وحفظتم وصاياي وعملتم{[26853]} بها ، أديم أمطاركم في وقتها ، وتبذل{[26854]} الأرض لكم{[26855]} غلاتها ، وتبذل لكم الشجر ثمارها ، ويدرك الدراس القطاف ، والقطاف{[26856]} يدرك الزرع ، وتأكلون خبزاً وتشبعون وتسكنون أرضكم مطمئنين ، ولا يكون من يخرجكم ، وأصرف عن أرضكم السباع الضارية ، وتطردون أعداءكم ، الخمسة منكم يهزمون{[26857]} مائة ، والمائة منكم يهزمون عشرة آلاف ، وتقع أعداؤكم قتلى بين أيديكم في الحرب ، وأقبل إليكم وأكثركم وأديم مقدسي بينكم ولا أدبر عنكم ، بل أكون معكم{[26858]} وأسير بينكم ، وإن لم{[26859]} تطيعوني وتسمعوا قولي ولم تعملوا بهذه الوصايا وأبطلتم عهودي ، أنا أيضاً أصنع بكم مثل صنيعكم ، وآمر بكم البلايا والبرص والبهق المقشر الذي لا يبرأ ، والسل{[26860]} الذي يطفىء البصر ويهلك النفس ، ويكون تعبكم في الزرع باطلاً ، وذلك لأن أعداءكم يأكلون ما تزرعون ، وأنزل بكم غضبي ، ويهزمكم أعداؤكم ، ويتسلط عليكم شنّاؤكم{[26861]} ، وتنهزمون{[26862]} من غير أن يهزمكم أحد ، وأصيّر السماء فوقكم مثل الحديد ، والأرض تحتكم مثل النحاس ، ولا تغل لكم أرضكم غلاتها ، ولا تثمر الشجر ثمارها ، وأرسل عليكم السباع الضارية فتلهككم وتهلك بهائمكم ، ويستوحش الطرق منكم ، وأسلط عليكم الموت وأدفعكم إلى أعدائكم ، وتأكلون ولا تشبعون ، وتصيرون إلى ضيق حتى تأكلوا لحوم بناتكم ، وأخرب{[26863]} منازلكم ، وأفرقكم بين الأمم ، وتخرب قراكم ، فحينئذ تهوى الأرض أسباتها ، وتسبت{[26864]} كل أيام وحشتها ما لم تسبت{[26865]} حيث{[26866]} كنتم فيها عصاة لا تسبتون ، والذين يبقون منكم ألقي في قلوبهم فزعة ، ويطردهم{[26867]} صوت ورقة تحرك ، ويهربون{[26868]} من صوت الورقة كما يهربون من السيف ، ويعنفون بإثمهم ويعاقبون{[26869]} بإثم آبائهم ، ومن بعد ذلك تنكسر قلوبهم الغلف .

ولما كان ما مضى من ذمهم ربما أفهم أنه لكلهم ، قال مستأنفاً جواباً لمن يسأل عن ذلك : { منهم } أي أهل الكتاب { أمة } أي جماعة هي جديرة بأن تقصد { مقتصدة } أي مجتهدة في العدل لا غلو ولا تقصير ، وهم الذين هداهم الله للإسلام بحسن تحريهم واجتهادهم { وكثير منهم } أي بني إسرائيل { سآء ما يعملون * } أي ما أسوأ{[26870]} فعلهم الذي هم فيه{[26871]} مستمرون على تجديده ، ففيه معنى التعجيب ، والتعبيرُ بالعمل لأنهم يزعمون أنه لا يصدر منهم إلا عن علم ، وهم الذين حرفوا الكلم عن مواضعه ، وارتكبوا العظائم في عداوة الله ورسوله .


[26831]:في ظ: الشنيعة.
[26832]:زيد بعده في ظ: الصلعاء.
[26833]:في ظ: تعبير.
[26834]:في ظ: الشنيعة.
[26835]:من ظ، وفي الأصل: ليسر.
[26836]:زيد من ظ.
[26837]:من ظ، وفي الأصل: غير.
[26838]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[26839]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[26840]:سقط من ظ.
[26841]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[26842]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[26843]:في ظ: يطلع.
[26844]:في ظ: بعدكم وأعراب.
[26845]:في ظ: بعدكم وأعراب.
[26846]:سقط من ظ.
[26847]:في ظ: وشمتم.
[26848]:سقط من ظ.
[26849]:في ظ: أمر.
[26850]:في ظ: أفصل.
[26851]:في ظ: ملعونون.
[26852]:في ظ: سبيلي.
[26853]:في ظ: علمتم.
[26854]:في ظ: لكم الأرض.
[26855]:في ظ: لكم الأرض.
[26856]:زيد من التوراة.
[26857]:من ظ، وفي الأصل: يهزمه.
[26858]:زيد من ظ.
[26859]:زيد من ظ.
[26860]:في ظ: السبيل.
[26861]:جمع شانىء وفي الأصل: شناتكم، وفي ظ: سياتكم- كذا.
[26862]:في ظ: تهزمون.
[26863]:في ظ: الحرب.
[26864]:في ظ: تسيب.
[26865]:في ظ: تسيب.
[26866]:من ظ، وفي الأصل: كنت.
[26867]:في ظ: يطرهم.
[26868]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[26869]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[26870]:من ظ، وفي الأصل: ألبسوا- كذا.
[26871]:زيد من ظ.