نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا لَعِبٞ وَلَهۡوٞۖ وَلَلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} (32)

فلما تأكد أمر البعث غاية التأكد{[29325]} ، ولم يبق فيه لذي لب وقفة ، صرح بما اقتضاه الحال من أمر هذه الدار ، فقال منبهاً على خساستها{[29326]} معجباً منهم في قوة رغبتهم في إيثار لذاذتها ، معلماً بأنه قد كشف الحال عن أن ما ركنوا إليه خيال ، وما كذبوا به حقيقة ثابتة ليس لها زوال ، عكس ما كانوا يقولون : { وما الحياة الدنيا } .

ولما كان السياق للخسارة{[29327]} ، وكانت أكثر ما تكون{[29328]} من اللعب - وهو فعل ما يزيد سرور النفس على وجه غير مشروع ، ويسرع{[29329]} انقضاؤه - قدمه فقال : { إلا لعب ولهو } أي{[29330]} للأشقياء ، وللحياة الدنيا شر للذين يلعبون ، واللهو ما من شأنه أن يعجب النفس كالغناء والزينة من المال والنساء على وجه لم يؤذن فيه ، فيكون سبباً للغفلة عما ينفع ، فتأخيره إشارة إلى أن الجهلة كلما فتروا في اللعب وهو اشتغال بالأمور السافلة والشواغل الباطلة بعلو النفوس{[29331]} أثاروا الشهوات بالملاهي{[29332]} ، والمعنى أنه تحقق من هذه الآيات زوال الدنيا ، فتحققت سرعته ، لأن كل آتٍ قريب ، فحينئذ{[29333]} ما هي{[29334]} إلا ساعة لعب ، يندم الإنسان على ما فرط فيها ، كما يندم اللاعب - إن كان له عقل - على تفويت{[29335]} الأرباح إذا رأى ما حصل أولو الجد وأرباب العزائم .

ولما كان التقدير بما أرشد إليه المعنى :{[29336]} وما{[29337]} الدار الآخرة إلا جد وحضور وبقاء للأتقياء ، أتبعه قوله مؤكداً : { وللدار الآخرة خير } ولما كان الكل مآلهم{[29338]} إلى الآخرة ، خصص{[29339]} فقال : { للذين يتقون } أي يوجدون التقوى ، وهي الخوف من الله الذي يحمل على فعل الطاعات وترك المعاصي ، ليكون ذلك وقاية لهم من غضب الله ، فذكر حال الدنيا وحذف نتيجتها لأهلها لدلالة ثمرة الآخرة عليه وحذف ذكر حال الآخرة لدلالة ذكر حال الدنيا عليه ، فهو احتباك ؛ ولما كان من شأن العقلاء الإقبال على الخير وترك غيره ، تسبب عن إقبالهم على الفاني وتركهم الباقي قوله منكراً : { أفلا تعقلون{[29340]} * } .


[29325]:في ظ: التأكيد.
[29326]:في ظ: حساتها- كذا.
[29327]:سقط من ظ.
[29328]:من ظ، وفي الأصل: يكون.
[29329]:في الأصل: شرع، وفي ظ: تشرع.
[29330]:زيد من ظ.
[29331]:زيدت الواو بعده في ظ فأسقطناها لاستقامة العبارة، ويمكن أن يكون جواب "كلما فتروا" سقط من ظ.
[29332]:زيد من ظ.
[29333]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[29334]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[29335]:في ظ: تقوية.
[29336]:في ظ: فاما.
[29337]:في ظ: فاما.
[29338]:في ظ: لهم- كذا.
[29339]:في ظ: خصوص.
[29340]:هذا على قراءة ابن كثير، وأما في مصاحفنا فعلى الخطاب.