التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيۡءِۭ بِأَمۡرِ رَبِّهَا فَأَصۡبَحُواْ لَا يُرَىٰٓ إِلَّا مَسَٰكِنُهُمۡۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (25)

{ واذكر أخا عاد 1 إذ أنذر قومه بالأحقاف 2 وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه3 ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم 21 قالوا أجئتنا لتأفكنا 4 عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين 22 قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون 23 فلما رأوه عارضا 5 مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم 24 تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين 25 } [ 21- 25 ] .

1 أخا عاد : المقصود رسول الله إلى قوم عاد وهو منهم وهو هود عليه السلام كما ذكرت ذلك صراحة آيات أخرى مرت في سور عديدة سابقة .

2 الأحقاف : معناها في اللغة صحارى الرمل أو كثبانه ، وفي القسم الجنوبي الشرقي من جزيرة العرب منطقة تعرف بالأحقاف شمال بلاد حضر موت ، والمقصود من الكلمة في الآيات هذه المنطقة .

3 وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه : النذر جمع نذير ، وقد خلت بمعنى : وقد مضت ، ومن بين يديه ومن خلفه : قبله وبعده . والجملة تعقيب استطرادي أو استدراكي على ما قبلها .

4 لتأفكنا : لتصرفنا .

5 عارضا : هنا بمعنى السحاب .

في الآيات أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بالتذكير بقوم عاد ونبيهم ؛ حيث أرسل الله إليهم نذيرا منهم على جري عادته في إرسال النذر قبل هذا النذير وبعده ، فدعاهم إلى الله وأنذرهم بعذابه فوقفوا منه موقف الجاحد ، وقالوا له : إنما جئتنا لتصرفنا عن آلهتنا ، وتحدّوه بالإتيان بعذاب الله الذي يعدهم به ، فأجابهم عن علم ذلك عند الله ، وقصاراه أن يبلغهم رسالة ربه ، وقال لهم إنكم تصدرون في موقفكم وتحديكم عن جهل وحمق . وما لبث القوم أن رأو سحابا أخذ يتجه نحوهم فحسبوه سحابا ممطرا ، ولكنه لم يكن في الحقيقة إلا آثار عاصفة شديدة أرسلها الله عليهم وفيها العذاب الشديد الذي تحدوا نبيهم به ، فدمرت كل شيء وأهلكت الجاحدين حتى لم يبق إلا أطلال المساكن . وقد عقبت الآية الأخيرة على ذلك بتوجيه الخطاب للسامعين لتنبيههم أن الله يجزي بمثل هذا المجرمين الجاحدين من الأمم .

والآيات قد جاءت بعد حكاية مواقف المناظرة والحجاج بقصد التذكير والتمثيل والتنبيه جريا على الأسلوب القرآني على ما ذكرناه في المناسبات السابقة ؛ ليكون فيها عظة للكفار الذي وقفوا نفس الموقف ، ولقد كان العرب يعرفون قصة تدمير الله لمساكن عاد على ما تفيده هذه الآية في سورة العنكبوت : { وعادا وثمودا وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين }38 فاستحكمت الحجة والإنذار فيهم .

وتعبير { أخا عاد } هو من التعابير العربية المألوفة ، ويراد به الإشارة إلى أن رسول عاد كان منهم كما هو الحال في رسول الله إلى العرب . وهذا الرسول هو هود عليه السلام الذي تكررت حكاية قصته في سلاسل القصص السابقة ووصف فيها بأنه أخو عاد .

ولقد روى البغوي بطرقه في سياق هذه الآيات حديثا عن عائشة قالت : " ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه بياض لهواته ، وكان إذا رأى غيما أو ريحا عرف ذلك في وجهه ، فقلت : يا رسول الله إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون المطر ، وإذا رأيته عرف في وجهك الكراهية ؟ فقال : يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب ، قد عذّب قوم بالريح وقد رأى قوم العذاب فقالوا : هذا عارض ممطرنا ){[1898]} . وحديثا آخر عن عائشة أيضا قالت : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى مخيلة تغير وجهه وتلون ودخل وخرج وأقبل وأدبر ، فإذا أمطرت السماء سري عنه وذكرت له الذي رأيت قال : وما يدريك لعله يا عائشة كما قال قوم عاد { فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا } الآية [ 24 ] فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم " . وأورد ابن كثير بالإضافة إلى الحديثين حديثا آخر في سياق الآيات رواه الإمام أحمد عن عائشة كذلك قالت : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ناشئا في أفق من آفاق السماء ترك عمله وإن كان في صلاته ثم يقول : اللهم إني أعوذ بك من شر عاقبته ، فإن كشفه الله تعالى حمد ربه عز وجل ، وإن أمطر قال : اللهم صيبا نافعا " . حيث ينطوي في الأحاديث صورة من صور مواقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عند بعض الآيات استشعارا بما فيها من عبرة ونذير وإشراكا للمسلمين في هذا الاستشعار .


[1898]:روى هذا الحديث الأربعة أيضا البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود. انظر التاج ج 4 ص 208.