البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيۡءِۭ بِأَمۡرِ رَبِّهَا فَأَصۡبَحُواْ لَا يُرَىٰٓ إِلَّا مَسَٰكِنُهُمۡۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (25)

{ تدمر } : أي تهلك ، والدمار : الهلاك ، وتقدم ذكره .

وقرأ زيد بن عليّ : تدمر ، بفتح التاء وسكون الدال وضم الميم .

وقرىء كذلك إلا أنه بالياء ورفع كل ، أي يهلك كل شيء ، وكل شيء عام مخصوص ، أي من نفوسهم وأموالهم ، أو من أمرت بتدميره .

وإضافة الرب إلى الريح دلالة على أنها وتصريفها مما يشهد بباهر قدرته تعالى ، لأنها من أعاجيب خلقه وأكابر جنوده .

وذكر الأمر لكونها مأمورة من جهته تعالى .

وقرأ الجمهور : لا ترى بتاء الخطاب ، إلا مساكنهم ، بالنصب ؛ وعبد الله ، ومجاهد ، وزيد بن علي ، وقتادة ، وأبو حيوة ، وطلحة ، وعيسى ، والحسن ، وعمرو بن ميمون : بخلاف عنهما ؛ وعاصم ، وحمزة : لا يرى بالياء من تحت مضمومة إلا مساكنهم بالرفع .

وأبو رجاء ، ومالك بن دينار : بخلاف عنهما .

والجحدري ، والأعمش ، وابن أبي إسحاق ، والسلمي : بالتاء من فوق مضمومة مساكنهم بالرفع ، وهذا لا يجيزه أصحابنا إلا في الشعر ، وبعضهم يجيزه في الكلام .

وقال ذو الرمة :

كأنه جمل همّ وما بقيت *** إلا النخيرة والألواح والعصب

وقال آخر :

فما بقيت إلا الضلوع الجراشع . . .

وقرأ عيسى الهمداني : لا يرى بضم الياء إلا مسكنهم بالتوحيد .

وروي هذا عن الأعمش ، ونصر بن عاصم .

وقرئ : لا ترى ، بتاء مفتوحة للخطاب ، إلا مسكنهم بالتوحيد مفرداً منصوباً ، واجتزئ بالمفرد عن الجمع تصغيراً لشأنهم ، وأنهم لما هلكوا في وقت واحد ، فكأنهم كانوا في مسكن واحد .