الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيۡءِۭ بِأَمۡرِ رَبِّهَا فَأَصۡبَحُواْ لَا يُرَىٰٓ إِلَّا مَسَٰكِنُهُمۡۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (25)

فهم الذين يقول الله تعالى : { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا } مرّت به من رجال عاد وأموالها بأذن ربّها . أخبرنا ابن منجويه ، حدّثنا عمر بن الخطّاب ، حدّثنا عبدالله بن الفضل ، حدّثنا أبو هشام ، حدّثنا حفص ، عن ابن جريح ، عن عطاء ، عن عائشة رضي الله عنه قالت : " كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا رأى الريح فزع ، وقال : " اللّهم إنّي أسألك خيرها وخير ما فيها ، وخير ما أرسلت به ، وأعوذ بك من شرّها وشر ما فيها ، وشرّ ما أرسلت به " .

فإذا رأى مخيلة قام ، وقعد ، وجاء ، وذهب ، وتغيّر لونه ، فنقول : يا رسول الله ، فيقول : " إنّي أخاف أن يكون مثل قوم عاد ، حيث قالوا هذا عارض ممطرنا " " .

{ فَأَصْبَحُواْ لاَ يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ } قرأ الحسن ( لا تُرى ) بتاء مضمومة { إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ } برفع ( النون ) . ومثله روى شعيب بن أيّوب ، عن يحيى بن آدم ، عن أبي بكر بن عيّاش ، عن عاصم . قال أبو حاتم : هذا لا يستقيم في اللغة إلاّ إنْ أُوّل فيه إضمار كما تقول في الكلام : لا تُرى النساء إلاّ زينب ، ولا يجوز لا تُرى إلاّ زينب ، وقال سيبويه : معناه ( لا ترى ) أشخاصهم . { إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ } وأجرى الفرّاء هذه الآية على الاستكراه ، وذكر أنّ المفضل أنشده :

نارنا لم تر ناراً مثلها *** قد علمتْ ذاك معدّ كرما

فأَنّث فعل مثل لأنّه للنّار ، قال : وأجود الكلام أن يقول : لم تر مثلها نار .

وقرأ الأعمش وعاصم وحمزة ويعقوب وخلف ( بياء ) مضمومة { مَسَاكِنُهُمْ } رفعاً واختاره أبو عبيدة رفعاً وأبو حاتم . قال الكسائي : معناه لا يُرى شيء إلاّ مساكنهم .

وقال الفرّاء : لا يُرى الناس لأنّهم كانوا تحت الرمل ، فإنّما يرى مساكنهم لأنّها قائمة . وقرأ الباقون ( تَرى ) ( بتاء ) مفتوحة ( مساكنهم ) نصباً على معنى ( لا ترى ) يا محمّد ( إلاّ مساكنهم ) .

{ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ } .