ثم وصف تلك الريح فقال : { تدمر كل شيء } أي تهلك كل شيء من الناس والحيوان والنبات { بأمر ربها } والمعنى أن هذا ليس من باب تأثيرات الكواكب والقرانات ، بل هو أمر حدث ابتداء بقدرة الله تعالى لأجل تعذيبكم { فأصبحوا } يعني عادا { لا يرى إلا مساكنهم } وفيه مسائل :
المسألة الأولى : روي أن الريح كانت تحمل الفسطاط فترفعها في الجو حتى يرى كأنها جرادة ، وقيل أول من أبصر العذاب امرأة منهم قالت رأيت ريحا فيها كشهب النار ، وروي أن أول ما عرفوا به أنه عذاب أليم ، أنهم رأوا ما كان في الصحراء من رجالهم ومواشيهم يطير به الريح بين السماء والأرض فدخلوا بيوتهم وغلقوا أبوابهم فعلقت الريح الأبواب وصرعتهم ، وأحال الله عليهم الأحقاف ، فكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام لهم أنين ، ثم كشفت الريح عنهم فاحتملتهم فطرحتهم في البحر ، وروي أن هودا لما أحس بالريح خط على نفسه وعلى المؤمنين خطا إلى جنب عين تنبع فكانت الريح التي تصيبهم ريحا لينة هادئة طيبة ، والريح التي تصيب قوم عاد ترفعهم من الأرض وتطيرهم إلى السماء وتضربهم على الأرض ، وأثر المعجزة إنما ظهر في تلك الريح من هذا الوجه ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «ما أمر الله خازن الرياح أن يرسل على عاد إلا مثل مقدار الخاتم » ثم إن ذلك القدر أهلكهم بكليتهم ، والمقصود من هذا الكلام إظهار كمال قدرة الله تعالى ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا رأى الريح فزع وقال : «اللهم إني أسألك خيرها وخير ما أرسلت به ، وأعوذ بك من شرها ومن شر ما أرسلت به » .
المسألة الثانية : قرأ عاصم وحمزة { لا يرى } بالياء وضمها { مساكنهم } بضم النون ، قال الكسائي معناه لا يرى شيء إلا مساكنهم ، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والكسائي { لا ترى } على الخطاب أي لا ترى أنت أيها المخاطب ، وفي بعض الروايات عن عاصم { لا ترى } بالتاء { مساكنهم } بضم النون وهي قراءة الحسن والتأويل لا ترى من بقايا عاد أشياء إلا مساكنهم . وقال الجمهور هذه القراءة ليست بالقوية .
قوله تعالى : { كذلك نجزي القوم المجرمين } والمقصود منه تخويف كفار مكة ، فإن قيل لما قال الله تعالى : { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } فكيف يبقى التخويف حاصلا ؟ قلنا : قوله { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } إنما أنزل في آخر الأمر فكان التخويف حاصلا قبل نزوله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.