فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيۡءِۭ بِأَمۡرِ رَبِّهَا فَأَصۡبَحُواْ لَا يُرَىٰٓ إِلَّا مَسَٰكِنُهُمۡۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (25)

{ ريح فيها عذاب أليم } الريح التي عذبوا بها نشأت من ذلك السحاب الذي رأوه { تدمر كل شيء بأمر ربها } صفة ثانية لريح أي تهلك كل شيء مرت به من نفوس عاد وأموالها ، والتدمير الإهلاك وكذا الدماء ، وقرئ يدمر بالتحتية مفتوحة وسكون الدال وضم الميم ورفع كل على الفاعلية من دمر دمارا ومعنى بأمر ربها أن ذلك بقضائه وقدره .

أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة قالت : " ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه لهواته إنما كان يبتسم ، وكان إذا رأى غيما أو ريحا عرف ذلك في وجهه قلت يا رسول الله : الناس إذا رأوا الغيم فرحوا أن يكون فيه المطر وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية ، قال : يا عائشة وما يؤمنني أن يكون فيه عذاب ، قد عذب قوم بالريح وقد رأى قوم العذاب فقالوا هذا عارض ممطرنا " .

وأخرج مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عائشة قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها ، وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به ، فإذا تخيلت السماء تغير لونه ، وخرج ودخل وأقبل وأدبر ، فإذا مطرت سرى عنه فسألته فقال : لا أدري لعله كما قال قوم عاد هذا عارض ممطرنا " .

{ فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم } بعد خراب أموالهم وذهاب أنفسهم قرأ الجمهور بالفوقية على الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم أو لكل من يصلح للرؤية ، ونصف مساكنهم وقرئ بالتحتية مبنيا للمفعول ورفع مساكنهم ، قال سيبويه معناه لا يرى أشخاصهم إلا مساكنهم وقال الكسائي والزجاج معناها لا يرى شيء إلا مساكنهم فهي محمولة على المعنى ، كما تقول ما قام إلا هند أي ما قام أحد إلا هند ، وفي الكلام حذف ، والتقدير فجاءتهم الريح فدمرتهم فأصبحوا الخ .

قال ابن عباس في الآية : " أول ما عرفوا أنه عذاب رأوا ما كان خارجا من رحالهم ومواشيهم يطير بين السماء والأرض مثل الريش ، دخلوا بيوتهم وأغلقوا أبوابهم فجاءت الريح ففتحت أبوابهم ومالت عليهم بالرمل فكانوا تحت الرمل سبع ليال وثمانية أيام حسوما لهم أنين ثم أمر الله الريح فكشفت عنهم الرمل وطرحتهم في البحر فهو قوله فأصبحوا الآية " وعنه قال ما أرسل الله على عاد من الريح إلا قدر خاتمي هذا { كذلك } الجزاء { نجزي القوم المجرمين } قد تقدم تفسير هذه القصة في سورة الأعراف .