لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيۡءِۭ بِأَمۡرِ رَبِّهَا فَأَصۡبَحُواْ لَا يُرَىٰٓ إِلَّا مَسَٰكِنُهُمۡۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (25)

وصف تلك الريح فقال تعالى : { تدمر كل شيء بأمر ربها } يعني تهلك كل شيء مرت به من رجال عاد وأموالهم يقال : إن تلك الريح كانت تحمل الفسطاط وتحمل الظعينة حتى ترى كأنها جرادة فلما رأوا ذلك ، دخلوا بيوتهم وأغلقوا أبوابهم ، فجاءت الريح فقلعت الأبواب وصرعتهم . وأمر الله الريح ، فأهالت عليهم الرمال فكانوا تحت الرمل سبع ليال وثمانية أيام لهم أنين . ثم أمر الله الريح فكشفت عنهم الرمل واحتملتهم فرمت بهم في البحر . وقيل : إن هوداً عليه السلام لما أحس بالريح ، خط على نفسه وعلى من معه من المؤمنين خطاً فكانت الريح تمر بهم لينة باردة طيبة والريح التي تصيب قومه شديدة عاصفة مهلكة وهذه معجزة عظيمة لهود عليه السلام . وقيل : إن الله تعالى أمر خازن الريح أن يرسل عليهم مثل مقدار الخاتم فأهلكهم الله بهذا القدر وفي هذا إظهار كمال القدرة ( ق ) " عن عائشة قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعاً قط ضاحكاً حتى ترى منه لهواته إنما كان يتبسم " زاد في رواية : " وكان إذا رأى غيماً عرف في وجهه قالت يا رسول الله الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر وأراك إذا رأيت غيماً عرف في وجهك الكراهة ؟ فقال : يا عائشة وما يؤمنني أن يكون فيه عذاب قد عذب قوم بالريح وقد رأى قوم العذاب فقالوا هذا عارض ممطرنا " وفي رواية قالت " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى مخيلة في السماء أقبل وأدبر ودخل وخرج وتغير وجهه فإذا أمطرت السماء سري عنه فرفعته عائشة ذلك فقال وما أدري لعله كما قال قوم هود فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا " الآية وفي رواية أخرى قالت : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به ، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به " وإذا تخيلت السماء تغير لونه وخرج ودخل وأقبل وأدبر فإذا أمطرت السماء سري عنه فعرفت ذلك عائشة فسألته فقال : لعله يا عائشة كما قال قوم عاد فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا المخيلة : السحاب الذي يظن فيه مطر . وتخيلت السماء : إذا تغيمت . وقولها : سري عنه أي كشف وأزيل عنه ما كان به من الغم والحزن .

وقوله تعالى : { فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم } قرئ بالتاء مفتوحة على أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم . والمعنى : ما ترى يا محمد إلا مساكنهم خاوية عاطلة من السكان ليس فيها أحد وقرئ بالياء مضمومة والمعنى لا يرى إلا آثار مساكنهم لأن الريح لم تبق منها إلا الآثار والمساكن المعطلة { كذلك نجزي القوم المجرمين } يخوف بذلك كفار مكة .