جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{۞لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ وَٱلۡكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّـۧنَ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُوفُونَ بِعَهۡدِهِمۡ إِذَا عَٰهَدُواْۖ وَٱلصَّـٰبِرِينَ فِي ٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلۡبَأۡسِۗ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ} (177)

{ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ } ، أي : ليس البر أن تصلوا ولا تعملوا بعد ذلك شيئا ، كما هو في أول الإسلام ، فهذا حين نزول الفرائض ، أو قبلة {[283]} اليهود المغرب وقبلة النصارى المشرق ، فأنزل الله أو لما {[284]} تحولت القبلة شق ذلك على أهل الكتاب وبعض المؤمنين ، فهذه الآية بيان حكمته ، وهو أن المراد امتثال أوامر الله ، وهو البر وليس في لزوم التوجه قبل مشرق أو مغرب بر إن لم يكن عن أمر الله ، { وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ } أي : برّ من آمن ، أو ذا البر من آمن بالله { وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ } ، أي : جنسه ، أو القرآن ، { وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ{[285]} } : حب المال ، أي : أخرجه وهو محب له ، وقيل : على حب الله ، { ذَوِي {[286]} الْقُرْبَى } : قرابات الرجل ، { وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ } ، من لا يجد ما يكفيه ، { وَابْنَ السَّبِيلِ } : المسافر الذي انقطع عنه ما يكفيه في سفره والضعيف صرح به السلف { وَالسَّآئِلِينَ } : من ألجأته الحاجة إلى السؤال ، { وَفِي الرِّقَابِ {[287]} } ، أي : في تخليصها بمعاونة المكاتبين ، وقيل في فك الأسارى ، { وَأَقَامَ الصَّلاةَ } : المفروضة ، { وَآتَى الزَّكَاةَ } : المفروضة ويكون قوله : " وآتى المال " بيان المصارف ، أو صدقات السنة ، { وَالْمُوفُونَ {[288]} بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ } : الله والناس ، عطف على من آمن ، { وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء } : حال الفقر ونصبه على المدح {[289]} لفضل الصبر ، { والضَّرَّاء } : المرض ، { وَحِينَ الْبَأْسِ } : القتال لله ، { أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا } ، في إيمانهم ، { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } ، لأنهم اتقوا المحارم وفعلوا الطاعات .


[283]:هذا قول أبي العالية والحسن والربيع بن أنس/12 منه
[284]:هذا قول مجاهد والسدي/12 منه
[285]:قال عليه الصلاة والسلام: "وآتى المال على حبه" أن تعطيه وأنت صحيح شحيح تأمل العيش وتخشى الفقر رواه الحاكم في مستدركه وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه/12 منه [انظر المستدرك (2/272)، وأقره الذهبي، لكن أخرجه موقوفا على ابن مسعود وليس مرفوعا كما ذكر]
[286]:المفعول الأول والمال مفعوله الثاني، وقدم لأن المقصود الأعظم هو إيتاء المال على حبه، هذا مذهب الجمهور/12 منه
[287]:قيل عبيد يشرون ويعتقون/12 منه
[288]:روى ابن أبي حاتم أنه قال عليه الصلاة والسلام (في المال حق سوى الزكاة، ثم قرأ "ليس البر" إلى قوله تعالى: "وفي الرقاب"/12
[289]:كأنه قال وأخص الصابرين من بينهم/12 منه