فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{۞لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ وَٱلۡكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّـۧنَ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُوفُونَ بِعَهۡدِهِمۡ إِذَا عَٰهَدُواْۖ وَٱلصَّـٰبِرِينَ فِي ٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلۡبَأۡسِۗ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ} (177)

{ البر } اسم جامع للطاعات وأعمال الخير المقربة إلى الله .

{ في الرقاب } في معاونة للعبيد والإماء والمكاتبين حتى يفكوا رقابهم .

{ البأساء } المصائب في الأموال كالفقر ونحوه .

{ الضراء } المصائب في الأبدان كالمرض ونحوه .

{ البأس } الحرب

- ليس البر العظيم الذي يجب أن تذهلوا لشأنه عن سائر صنوف البر أمر القبلة ، ولكن البر الذي يجب صرف الهمة إليه بر من آمن وقام بهذه الأعمال-{[573]} وقد تضمنت جوانب الإيمان الخمسة : الإيمان بالله تعالى وبالآخرة وبالملائكة وكتب ربنا المنزلة وبالنبيين سلام ربنا وصلاته عليهم أجمعين كما دعت الآية الكريمة إلى إعطاء المال وبذله لأصناف ستة : ذوي القرابة اليتامى والمساكين وأبناء السبيل المسافرين عابري الطريق والسائلين والعبيد الجواري المكاتبين على مال ليفكوا بهم رقابهم من الرق والأسر ؛ وعهد الله تعالى إلينا في هذه الآية كذلك بإقامة الصلاة وإتيان الزكاة والوفاء بالوعد وبالصبر{[574]} في مواطن الفقر وبلايا المال ، وفي مواطن المرض وما يصيب الجسد وفي مواطن الجهاد والحرب سبعة عشر عهدا{[575]} من وفى بها فقد استحق أن يكون بارا دون من أدى البعض وضيع البعض{[576]} ، { أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون } عن الربيع قال : وكان الحسن يقول فتكلموا بكلام الإيمان فكانت حقيقة العمل صدقوا الله قال . وكان الحسن يقول هذا الكلام الإيمان وحقيقته العمل فإن لم يكن مع القول عمل فلا شيء – فمن فعل هذه الأشياء فهم الذين صدقوا الله في إيمانهم وحققوا قولهم بأفعالهم لا من ولى وجهه قبل المشرق والمغرب وهو يخالف الله في أمره وينقض عهده وميثاقه ويكتم الناس بيان ما أمره الله ببيانه ويكذب رسله . وأما قوله { أولئك هم المتقون } فإنه يعني وأولئك الذين اتقوا عقاب الله فتجنبوا عصيانه وحذروا وعده فلم يتعدوا حدوده وخافوا فقاموا بأداء فرائضه-{[577]} .


[573]:ما بين العارضتين مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن ثم تابع وقيل الخطاب لأهل الكتاب لأن المشرق قبلة النصارى والمغرب قبلة اليهود وأنهم أكثروا الخوض في أمر القبلة حين حولت إلى الكعبة وزعم كل من الفريقين أن البر هو التوجه إلى قبلته فرد عليهم بأن ما أنتم عليه خارج من البر أما أولا فلأنه منسوخ وأما ثانيا فلأنه على تقدير صحته شرط من شرائط أعمال البر لأن من جملتها الصلاة واستقبال القبلة شرط فيها ولن يكون شرط جزء الشيء تمام حقيقة ذلك الشيء...ثم إن أهل الكتاب كما أخلوا جميعا بجميع أوصاف البر أخلوا بالإيمان بالله {وقالت اليهود عزير بن الله وقالت النصارى المسيح بن الله..}... وذهبت اليهود إلى التجسيم والنصارى إلى الحلول والاتحاد وأنكروا المعاد الجسماني.. وقالوا إن جبريل عدونا وكفروا بالكتب السماوية.. وقتلوا النبيين وطعنوا في نبوة سيد المرسلين واتسموا بسمة الشح حتى اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا ونقضوا العهود {أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم} ولم يصبروا في اللأواء{..لن نصبر على طعام واحد..} ولا حين البأس {... فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون} فالعجب منهم حيث ادعوا البر ولا شيء واحد من أجزاء البر فيهم وهذا غاية القحة ونهاية العناد والله بصير بالعباد. ا ه.
[574]:جاء في هذه الآية الكريمة {والموفون بعهدهم إذ عاهدوا والصابرين} فنصب على الاختصاص والمدح إظهارا لفضل الصبر على سائر الأعمال.
[575]:بل كل عهد منها ينتظم عهودا فالإيمان بالله تعالى يستلزم العلم بما يجب وبما يجوز ومما يستحيل عليه ويستلزم العلم بأسمائه الحسنى وصفاته العلا والإيمان بالآخرة يتضمن اليقين في الموت والبعث والحشر والحساب والوزن والشجاعة والجزاء إما بالجنة وإما بالنار والوفاء بالعهد يقتضينا أن نوفي بميثاق الخالق سبحانه وميثاق المخلوقين ولهذا قال المفسرون ههنا هم الذين وعدوا أنجزوا وإذ حلفوا أو نذروا أوفوا وإذ اؤتمنوا أدوا وإذا قالوا صدقوا.
[576]:ذكر الواحدي ههنا أن الواوات في هذه الأوصاف للجمع فمن شرائط البر وتمام شرط أن يجتمع فيه هذه الأوصاف ومن قام بواحدة منها لم يستحق الوصف بالبر فلا ينبغي أن يظن الإنسان أن الموفي بعهده من جملة من قام البر وكذا الصابر في البأساء بل لا يكون قائما بالبر عند استجماع هذه الخصال حتى قال بعضهم إن البر من خواص الأنبياء والحق أنه ليس بمستبعد أن يوجد في الأمة موصوف بالبر إلا أن كمال البر لا يكون إلا في النبي صلى الله عليه وسلم ولاسيما في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. ا ه.
[577]:ما بين العارضتين من جامع البيان في تفسير القرآن لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري رحمه الله تعالى.