جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعَۢا بَصِيرٗا} (58)

{ إن{[1042]} الله يأمركم أن تؤدُّوا الأمانات إلى أهلها } الآية كما قال السلف عامة : لكل بر وفاجر ودخل فيها حقوق الله وحقوق الناس ، وإن نزلت في رد مفتاح الكعبة على عثمان{[1043]} بن طلحة حين أخذ منه والتمس علي أو عباس رضي الله عنهما أن تكون له الحجابة والسقاية { وإذا حكمتم بين الناس أن تحكُموا بالعدل } أي : وأن تحكموا بالإنصاف إذا حكمتم { إن الله{[1044]} نِعمّا يعظكم به } أي : نعم شيئا يعظكم به ، فما موصوفة منصوبة بيعظكم ، أو نعم الشيء الذي يعظكم به فيكون مرفوعة موصولة ، والمخصوص بالمدح محذوف ، أي : نعما يعظكم به ذاك وهو أداء الأمانات والعدل { إن الله كان سميعا بصيرا } بالأقوال والأحكام في الأمانات وغيرها .


[1042]:لما أمر بالسخاء والسماحة، وإلقاء الراحة للقلوب، وترك البخل الذي هو من أخس الرذائل والذنوب، ودفع الحسد الذي هو بخل عن ما في يد الغير، وهو عند نهاية الغور جور تبعه برد الأمانات والعدل فقال: (إن الله يأمركم) الآية/12.
[1043]:أي: عثمان بن طلحة ابن عم شيبة بن عثمان بن أبي طلحة الذي بيده الحجابة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليوم، وأما عمه عثمان بن أبي طلحة فكان معه لواء المشركين يوم أحد وقتل يومئذ كافرا وقد اشتبه هذا على كثير من المفسرين/12 منه.
[1044]:هذه الآيات من أمهات الآيات المشتملة على كثير من أحكام الشرع، لأن الظاهر أن الخطاب يشمل جميع الناس قاطبة في جميع الأمانات وورودها على سبب لا ينافي ما فيها من العموم، فالاعتبار لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، قال الواحدي: أجمع المفسرون عليه. انتهى، ويدخل الولاة في هذا الخطاب دخولا أوليا فيجب عليهم تأدية ما لديهم من الأمانات ورد الظلامات، وممن قال بعموم هذا الخطاب البراء بن عازب وابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب، واختاره جمهور المفسرين ومنهم ابن جرير وأجمعوا على أن الأمانات مردودة إلى أربابها الأبرار منهم والفجار كما قال ابن المنذر، وأخرج أبو داود والترمذي والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أد الأمانة لمن ائتمنك ولا تخن من خانك). [وصححه الشيخ الألباني في (صحيح سنن أبي داود) (3018)].