جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ شَهَٰدَةُ بَيۡنِكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ حِينَ ٱلۡوَصِيَّةِ ٱثۡنَانِ ذَوَا عَدۡلٖ مِّنكُمۡ أَوۡ ءَاخَرَانِ مِنۡ غَيۡرِكُمۡ إِنۡ أَنتُمۡ ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَأَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةُ ٱلۡمَوۡتِۚ تَحۡبِسُونَهُمَا مِنۢ بَعۡدِ ٱلصَّلَوٰةِ فَيُقۡسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ لَا نَشۡتَرِي بِهِۦ ثَمَنٗا وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰ وَلَا نَكۡتُمُ شَهَٰدَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذٗا لَّمِنَ ٱلۡأٓثِمِينَ} (106)

{ يا أيها الذين{[1337]} آمنوا شهادة بينكم } إضافة إلى الظرف على الاتساع ، { إذا حضر أحدكم الموت } ، ظرف للشهادة ، وحضوره : ظهور أماراته ، { حين الوصية } ، بدل من الظرف وفيه دليل على أن الوصية مما لا ينبغي التساهل فيها ، { اثنان } ، خبر شهادة أي : شهادة بينكم شهادة اثنين أو فاعلها أي : فيما فرض عليكم أن يشهد اثنان ، { ذوا{[1338]} عدل منكم } : من المسلمين ، وقيل من أقاربكم وهما صفتان لاثنان ، { أو آخران } ، عطف على اثنان ، { من غيركم } : من غير المسلمين أو من غير أقاربكم ، { إن أنتم ضربتم في الأرض } : أي : شهادة غير المسلم إذا كنتم في السفر يعني : لم تجدوا مسلما ، { فأصابتكم مصيبة الموت } ، عطف على ضربتم ، وجواب الشرط محذوف أي : إن كنتم في سفر ولم تجدوا مسلمين ، فيجوز إشهاد غير المسلمين ، { تحسبونهما } : تقفونهما صفة للآخران ، أو استئناف كأنه جواب ما قيل كيف نعمل إن ارتبنا في الشاهدين ؟ ! { من بعد الصلاة } أي : صلاة العصر ، فإن أهل الكتاب أيضا يعظمونها أو بعد صلاة ما ، أو بعد صلاتهم ، { فيُقسمان بالله إن ارتبتم } أي : إن ارتاب أحد الوارثين فيهما حبسهما للحلف ، { لا نشتري به } : بالقسم ، { ثمنا } ، الجملة مقسم عليه أي : لا نستبدل به عرضا من الدنيا أي : لا نحلف كاذب ، { ولو كان } : من نقسم له ، { ذا قربى } : قريبا منا لا نحلف له كاذبا أي نحن رجال عادتنا الصدق لنا أو علينا ، { ولا نكتم شهادة الله } : أي : الشهادة التي أمر الله بإقامتها ، { إنا إذا لمن الآثمين } : إن كتمنا .


[1337]:اعلم أنه تعالى لما أمر بحفظ النفس في قوله: (عليكم أنفسكم) أمر بحفظ المال فقال: (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم) الآية/12 كبير.
[1338]:قيل إن الضمير في منكم للمسلمين، وفي غيركم للكفار وهو الأنسب بسياق الآية، وبه قلل أبو موسى الأشعري، وابن عباس وغيرهما، فيكون في الآية دليل على جواز شهادة أهل الذمة من المسلمين في خصوص الوصايا كما يفيده النظم القرآني، ويشهد له السبب للنزول، وبه قال سعيد بن المسيب ويحيى بن يعمر وسعيد بن جبير وأبو مجلز والنخعي وشريح وعبيدة السلماني وابن سيرين ومجاهد وقتادة والسدي والثوري وأبو عبيد واحمد بن حنبل، وقيل ضمير منكم إلى القرابة وغيركم إلى الأجانب، وإليه ذهب الزهري والحسن وعكرمة، وذهب مالك والشافعي عن عكرمة وغيرهم من الفقهاء إلى أن الآية منسوخة واحتجوا بقوله: (ممن ترضون من الشهداء)، وقوله: (وأشهدوا ذوي عدل منكم) (الطلاق: 2) والكفار ليسوا بمرضيين ولا عدول، وخالفهم الجمهور فقالوا: الآية محكمة، وهو الحق لعدم وجود دليل صحيح يدل على النسخ وأما الآيتان المذكورتان فهما عامان في الأزمان والأشخاص والأحوال وهذه الآية خاصة بحالة الضرب في الأرض وبالوصية، ومجال عدم شهود المسلمين، ولا تعارض بين خاص وعام/12 فتح.