وقوله : { فَنادَتْهُ الْمَلَائكَةُ . . . }
يقرأ بالتذكير والتأنيث . وكذلك فِعْل الملائكة وما أشبههم من الجمع : يؤنّث ويذكّر . وقرأت القراء { يعرج الملائكة ، وتعرج } و " تتوفاهم - و- يتوفاهم الملائكة " وكل صواب . فمن ذكّر ذهب إلى معنى التذكير ، ومن أنَّث فلِتأنيث الاسم ، وأن الجماعة من الرجال والنساء وغيرهم يقع عليه التأنيث . والملائكة في هذا الموضع جبريل صلّى الله عليه وسلم وحده . وذلك جائز في العربيّة : أن يخبر عن الواحد بمذهب الجمع ؛ كما تقول في الكلام : خرج فلان في السُفُن ، وإنما خرج في سفينة واحدة ، وخرج على البغال ، وإنما ركب بغلا واحدا . وتقول : مِمَّن سمعت هذا الخبر ؟ فيقول : من الناس ، وإنما سمعه من رجل واحد . وقد قال الله تبارك وتعالى : { وإذا مَسَّ الناسَ ضُرّ } ، { وإذا مسَّ الإنسان ضر } ومعناهما والله أعلم واحد : وذلك جائز فيما لم يُقصَد فيه قصدُ واحدٍ بعينه .
وقوله { وَهُوَ قَائمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ } تقرأ بالكسر . والنصب فيها أجود في العربيّة فمن فتح ( أنّ ) أوقع النداء عليها ؛ كأنه قال : نادَوه بذلك أن الله يبشرك . ومن كسر قال : النداء في مذهب القول ، والقولُ حكاية . فاكسر إنّ بمعنى الحكاية . وفي قراءة عبد الله " فناداه الملائكة وهو قائم يصلِّي في المحراب يا زكريا إن الله يبشرك " فإذا أُوقع النداء على منادىً ظاهر مثل ( يا زكريا ) وأشباهه كسرت ( إن ) لأن الحكاية تخلص ، إذا كان ما فيه ( يا ) ينادَى بها ، لا يخلص إليها رفع ولا نصب ؛ ألا ترى أنك تقول : يا زيد إنك قائم ، ولا يجوز يا زيد أنك قائم . وإذا قلت : ناديت زيدا أنه قائم فنصبت ( زيدا ) بالنداء جاز أن توقع النداء على ( أنّ ) كما أوقعته على زيد . ولم يجز أن تجعل إنّ مفتوحة إذا قلت يا زيد ؛ لأن زيدا لم يقع عليه نصب معروف . وقال في طه : { فلّما أتاها نودِي يا موسى إِني أنا ربك } فكُسِرت ( إِني ) . ولو فُتحت كان صوابا من الوجهين ؛ أحدهما أن تجعل النداء واقعا على ( إنّ ) خاصّة لا إضمار فيها ، فتكون ( أنّ ) في موضع رفع . وإن شئت جعلت في ( نودي ) اسم موسى مضمرا ، وكانت ( أنّ ) في موضع نصب تريد : بأني أنا ربك . فإذا خلعت الباء نصبته . فلو قيل في الكلام : نودي أنْ يا زيد فجعلت ( أن يا زيد ) [ هو المرفوع بالنداء ] كان صوابا ؛ كما قال الله تبارك وتعالى : { وناديناه أن يا إبراهيم . قد صدّقت الرؤيا } .
فهذا ما في النداء إذا أوقعت ( إن ) قيل يا زيد ، كأنك قلت : نودي بهذا النداء إذا أوقعته على اسم بالفعل فتحت أن وكسرتها . وإذا ضممت إلى النداء الذي قد أصابه الفعل اسما منادىً فلك أن تُحدِث ( أن ) معه فتقول ناديت أن يا زيد ، فلك أن تحذفها من ( يا زيد ) فتجعلها في الفعل بعده ثم تنصبها . ويجوز الكسر على الحكاية .
ومما يقوّى مذهب من أجاز " إن الله يبشرك " بالكسر على الحكاية قوله : { ونادَوا يا مالك ليقض علينا ربك } ولم يقل : أن ليقض علينا ربك . فهذا مذهب الحكاية . وقال في موضع آخر { ونادى أصحابُ النار أصحابَ الجنة أن أفيضوا } ولم يقل : أفيضوا ، وهذا أمر وذلك أمر ؛ لتعلم أن الوجهين صواب .
و " يبشرك " قرأها [ بالتخفيف ] أصحابُ عبد الله في خمسة مواضع من القرآن : في آل عمران حرفان ، وفي بنى إسرائيل ، وفي الكهف ، وفي مريم . والتخفيف والتشديد صواب . وكأنّ المشدّد على بِشارات البُشَراء ، وكأن التخفيف من وجهة الإفراح والسرور . وهذا شيء كان المشيخة يقولونه . وأنشدني بعض العرب :
بَشَرتُ عِيالي إذْ رأيت صحيفةً *** أتتك من الحَجَّاج يُتْلى كتابُها
وقد قال بعضهم : أبشرت ، ولعلّها لغة حجازيّة . وسمعت سفيان بن عُيَيْنة يذكرها يُبْشِر . وبشرت لغة سمعتها من عُكل ، ورواها الكسائي عن غيرهم . وقال أبو ثَروان : بَشرَني بوجه حسن . وأنشدني الكسائي :
وإذا رأيت الباهشين إلى العلى *** غُبْرا أكفُّهم بِقاع ممحِل
فأَعِنْهُمُ وابْشَرْ بما بَشِرُوا به *** وإذا همُ نزلوا بضَنْك فانزِل
وسائر القرآن يشدَّد في قول أصحاب عبد الله وغيرهم .
وقوله : { يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً } نصبت ( مصدّقا ) لأنه نكرة ، ويحيى معرفة . وقوله : { بكلمة } يعنى مصدِّقا بعيسى .
وقوله : { وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً } مردودات على قوله : مصدّقا . ويقال : إن الحَصُور : الذي لا يأتي النساء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.